التعلم الحركي
التعلم الحركي
مـقـدمـة: كل إنسان يتعلم ويكتسب خلال حياته أساليب السلوك التي يعيش بها في الظروف البيئية والاجتماعية المحيطة به، ومنه فإن التعلم يعتبر عملية أساسية في الحياة. و لهذا الغرض أنشئت مؤسسات تربوية و تعليمية حتى تتم عملية التعلم بكفاءة، و يتعلم الفرد أعمالا بالغة الأهمية بحيث لا يمكن اكتسابها من باب الصدفة، كذلك ينبغي للمشرف على هذه المهمة النبيلة أن يفهم عملية التعلم و يتقن أساليب التعليم ليتمكن من تقديم المعلومات للمتعلم بطريقة صحيحة وفق استعداده و ميوله كذاك الهدف الذي يسعى إليه التكوين.
وبما أن الطفل ينمو نموا متكاملا فلا يختصر إذن التعلم من الجانب العقلي فقط و إنما يشمل كل الجوانب للشخصية الإنسانية منها العقلية، الاجتماعية، العاطفية و النفس- حركية. و من تم يعتبر التعلم الحركي من العمليات الأساسية لتكوين الفرد و تساهم في تنميته نموا شاملا، كما أن التعلم الحركي شأنه شأن التعلم العام لا يأتي من فراغ و إنما يخضع لبعض المبادئ و القوانين ينبغي معرفتها من أجل تعلم صحيح وفعّال.
1- المفاهيم الأساسية:
1- 1- مفهوم التعلم (Apprentissage): يعرف التعلم بأنه تغيّر في الأداء أو تعديل في السلوك عن طريق الخبرة والمران[1]، بمعنى آخر أنه تغيّر ثابت نسبيا في السلوك نتيجة الممارسة والخبرة وليس ناتج عن ظاهرة النمو أو التعب. يبدأ التعلم منذ اللّحظة التي يولد فيها الإنسان ويستمر إلى غاية آخر مراحل حياته، وهو مبدأ أساسي لتطوير شخصية الفرد للتفاعل الإيجابي مع المحيط الذي يعيش فيه. ويعتبر التعلم الحركي وجه من أوجه التعلم العام، وهو مجموعة من العمليات التي تحدث من خلال الممارسة والتدريب، والتي تؤدي إلى تغيّر ثابت نسبيا في السلوك الحركي. وهو عملية اكتساب المعارف والخبرات والمهارات الحركية، كذلك القدرة على توجيه حركة الجسم والتحكم في حركته بالنسبة للمكان والزمان.
التعلم لا يعني بالضرورة تحسن في الأداء لأن التغيرات التي تؤدي إلى عادات سيئة، و تثبيت الأخطاء و الاتجاهات غير المرغوب فيها تعتبر تعلم، و لا يمكن اعتبار هذا النوع من التعلم تحسنا. لذلك يشتمل التعلم كل التغيرات السلوكية المرغوب فيها أو غيرها، مكتسبة من داخل المدرسة أم خارجها، حدثت عن قصد أو غير قصد.
و يرتبط مفهوم التعلم بمفهوم التربية التي تسعى إلى تكوين الشخصية الإنسانية من خلال برامج مستهدفة و منظمة التي خططت لتكوين أنماط سلوكية تتفاعل و تتكيف مع التطور المادي و الرّوحي للمجتمع. و من أجل ذلك أنشئت مؤسسات تربوية لتحقيق التعلم المرغوب فيه، و يمكن إدراك الغايات التربوية بفضل التعلم الصحيح الذي يحدث في المدرسة بتوجيه المعلم.
1- 2- مفهوم التعليم (Enseignement): يسمى كذلك التدريس و يعني تلك الإجراءات التي يقوم بها المدرس مع تلاميذه لإنجاز مهام معينة لتحقيق أهداف سبق تحديدها، و تختلف طرق التدريس حسب المادة المدروسة كذلك خصائص جمهور المتمدرسين لكن الأسلوب موحد لجميع المواد التعليمية. و يعتبر أسلوب التدريس سلسلة من القرارات منظمة و متتابعة و هي:
- قرارات التخطيط وهي قرارات تتخذ مسبقا قبل الدرس؛
- قرارات التنفيذ وهي قرارات تتخذ أثناء أداء العمل؛
كما يمكن التمييز بين الأساليب في عملية التعليم التي تتدرج من التعليم بأسلوب الأمر (Incitatif) إلى الأسلوب الذي يسمح فيه المتعلم بالاكتشاف (Réflexif).
1- 3- مفهوم التدريب (Entraînement): بصفة عامة يستعمل مصطلح التدريب في كثير من أوجه النشاط الإنساني المختلفة، و يعني سلسلة من عمليات التنمية الوظيفية للجسم بهدف تكيفه عن طريق التمرينات المنتظمة للمتطلبات العالية لأداء عمل ما.
و يعرف كذلك على أنه مجموعة طرق مخططة بهدف تحسين الأداء الحركي. و ينقسم إلى قسم عام وظيفته تنمية الصفات البدنية و الحركية، و من قسم يهدف إلى صقل المهارات الحركية و دفع الاستراتيجيات الفردية و الجماعية إلى مردوديتها القصوى.
2- الأسس القاعدية للتعلم الحركي:
2- 1- ميكانيزمات التعلم الحركي: سبق وأن ذكرنا أن التعلم الحركي يعرف بأنه تغيّر في الأداء الحركي أو تعديل في السلوك ناتج عن الممارسة و التدريب، و هناك ميكانيزمات نفسية و فيزيولوجية تؤثر على الجهاز الحركي و نظام التحكم لإحداث هذا التغيير.
2- 1- 1- الميكانيزمات النفسية: منذ ولادة الطفل و هو في حالة تعلم، و الاستجابات البسيطة الفطرية و الدوافع الأولية هي نقطة البداية للتعلم و بالتالي تسهم الوراثة في تحقيق هذا الإكساب الحيوي. هذه الملاحظة تركت علماء النفس يتشككون في التعريف الذي ينص بأن الإنسان يولد و عقله كالصفحة البيضاء. هذا يدل أن التعلم يحدث في حدود الإطار التكويني الفطري أي أن التكوين البيولوجي الذي حددته الوراثة هو بمثابة نقطة البداية للسلوك الإنساني و أن التعلم يحدث تعديل و تغيير في هذا السلوك.
تساهم الحركات الفطرية الانعكاسية في المجال الحركي لتكوين أنماط سلوكية بسيطة تخزن على مستوى الذاكرة، و يؤثر عامل النضج لتشكيل حركات أولية تندرج ضمن الفعل الإرادي أو الحركة الإرادية. من خلال هذه الحركات الأولية البسيطة المخزنة في الذاكرة يبدأ تكوين مخططات حركية أو برامج حركية عامة. و توّضح النماذج التي تقدم بها الباحثون عن الأداء الحركي و عملية التحكم في مختلف الحركات أن الحركة تنطلق بفضل تنشيط نظام مبرمج في الذاكرة ألا و هو البرنامج الحركي الذي تكون منذ المراحل الأولى في حياة الطفل من خلال معرفة النتائج لمختلف الأفعال الأولية التي تم بفضلها إنشاء أنماط أساسية للسلوك الحركي.
بينما التحكم في مختلف الحركات يتم من خلال التغذية الرجعية و مقارنة المعلومات العائدة من مختلف أعضاء الحس مع النموذج المرجعي. و السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يتم تكوين النموذج المرجعي؟ بفضل التعلم من خلال الممارسة و التمرن تسجّل في الذاكرة معلومات عن الأداء لتكوّن كما سماه أدامس المعلم الإدراكي، فإذا كانت المحاولات الأولى صحيحة فإن ذلك من حسن الصدف و يتمكن الفرد من تكوين نموذج صحيح و بالتالي التعلم يكون إيجابي حتى و لو لم يكن مدرس بجانبه، أما إذا كانت المحاولات الأولى خاطئة و لم يطرأ عليها تصحيح في الوقت المناسب فإنها تسجل بتلك الصفة في الذاكرة و تكوّن قيمة مرجعية خاطئة و بالتالي هذا النوع من التعلم يعتبر سلبي و هنا يكمن دور المدرس أو المدرب ألا و هو توجيه المحاولات الأولى حسب النموذج الصحيح قبل تسجيلها في الذاكرة. يتم هذا التوجيه بفضل أعضاء الحس و الانتباه إلى المعلومات المناسبة لموقف التعلم و خاصة المعلومات العائدة من أعضاء الاستجابة.
2-1-2- الميكانيزمات الفيزيولوجية: في المجال التعلم الحركي تتداخل ميكانيزمات فيزيولوجية تجعل تأدية الأداء الحركي بطريقة آلية بعدما كانت المراقبة بطريقة إرادية في بداية التعلم. في المحاولات الأولى لتعلم مهارة معينة يتم الأداء بنوع من التركيز في الانتباه و مستوى عالي من الوعي، يسيّر المخ الكبير كل المعلومات المنقولة سواء بفضل الأعصاب النازلة أو الأعصاب الصاعدة.
بعد عدة محاولات تصبح مراقبة الحركة بطريقة لاإرادية تؤدى بمستوى منخفض من الوعي، يتحكم في سيرها المخيخ و النخاع الشوكي و بالتالي تصبح العمليات الذهنية و منها الانتباه و التركيز موجه إلى مثيرات أخرى و يتفرغ المخ الكبير لتسيير عمليات أخرى.
بفضل التمرن و التكرار تتكون عدة وحدات حركية على مستوى الألياف العضلية التي تعمل أكثر أثناء التعلم و ذلك هام جدا خاصة إذا تميّزت الحركات بنوع من الدقة في الأداء، تتكون هذه الوحدات من خلال ازدياد تفرعات الخلية العصبية.
2-2- مراحل التعلم الحركي: يمكن القول أن الإنسان قد تعلم مهارة حركية لما نلاحظ أن أدائه أصبح بطريقة آلية، ذلك يعني أن جهاز التحكم استغنى عن المراقبة الإرادية التي تتطلب جهد ذهني و أن التغذية الرجعية قد انتقلت من استعمال الأحاسيس الخارجية إلى استخدام الأحاسيس الذاتية. هذا الانتقال الذي يحدث بفضل الممارسة و التكرار يفسر كيف تمكن المتعلم من تحويل المعلومات السمعية و البصرية التي يتلقاها من البيئة الخارجية و على الخصوص من المدرس، إلى معلومات ذاتية تصدر من داخل الجسم. هذه العملية تظهر من خلال التكرار على ثلاثة مراحل و هي:
أ ـ مرحلة التوافق الأولي للحركة: تتصف هذه المرحلة بقلة الظهور الواضح لأقسام الحركة و قلة الثبات فيها، كذلك الأخطاء و سرعة حدوث التعب و هذا راجع إلى كثرة المعلومات و عدم القدرة لالتقاط و انتقاء المعلومات المناسبة، و هي بمثابة مرحلة معرفية تستعمل فيها القدرات الحسية الإدراكية.
ب ـ مرحلة التوافق الجيّد للحركة: بعدما يصبح المتعلم قادر على تكرار أداء المهارة الحركية في صورتها حيث يصل إلى مستوى جيّد من التنظيم للأجزاء الحركية، حينئذ تبدأ المرحلة الثانية إذ يبدو و كأن الأداء أصبح أكثر اقتصاديا في الجهد المبذول، و تسمى كذلك مرحلة التطبيقية.
ج ـ مرحلة تثبيت التوافق الجيّد للحركة: تتميّز هذه المرحلة بالدقة العالية لتحقيق الهدف و التي تعتبر سمة توضح ثبات الأداء و منه تصبح المهارة أكثر دقة و رسوخا و استقرارا حتى ولو كانت الظروف متغيرة و صعبة، و هي مرحلة تؤدى فيها المهارات بطريقة آلية.
لكن نتساءل كثيرا عن إمكانية تحقيق المتعلم كل هذه المراحل أم هناك حدود لتعلم بعض المهارات؟ الإجابة على هذا التساؤل تبدو مهمة لمعرفة أسباب نجاح بعض الأفراد و رسوب البعض الآخر، بكل بساطة الجواب أنه لا يمكن لكل فرد تحقي نتائج جيّدة لتعلم و تطبيق بعض المهارات و ذلك لأسباب عديدة.
2- 3- منحنيات التعلم الحركي: كما هو معروف فإن التعلم يعتبر عملية تغيير أو تعديل لسلوك الفرد، التغيّر يمكن أن يكون في الاتجاه الإيجابي أو عكس ذلك أي في الاتجاه السلبي، كما يمكن أن يحدث تغيّر يليه استقرار رغم الممارسة و التدريب. لمعرفة مدى تغيّر سلوك المتعلم ينبغي على المدرس أو المدرب متابعة نتائج الأداء لتقويم عملية التعلم، و أثبتت الدراسات أن هناك ثلاثة أنواع من التغيّرات مبيّنة حسب المنحنيات الآتية و هي:
أ ـ منحنى الزيادة الإيجابية: يمكن ملاحظة في هذا النوع من المنحنيات أن التعلم يتحسن ببطء في البداية ثم يزداد بنسب أكبر، و السبب في ذلك هو:
- بداية بطيئة بسبب إعطاء الوقت الكافي لإدراك المواقف التعليمية؛
- صحة الطرق المستعملة في التدريب؛
- احترام مبدأ التدرج و ملائمة حمل التدريب لقدرات و نمو المتعلم؛
- استعمال طرق مناسبة لرفع دافعية التعلم.
يظهر منحنى الزيادة الإيجابية على الشكل التالي:
ب ـ منحنى الزيادة السلبية: يلاحظ تحسن سريع في البداية ثم يظهر نوع من الاستقرار يليه تدهور ملحوظ رغم استمرار التدريبات و السبب في ذلك هو:
- زيادة حماس و دافعية المتعلم في البداية؛
- عدم التدرج في التدريب أو عدم احترام قدرات و استعداد المتعلم؛
- عدم تناسب الطرق المستخدمة للتعليم و التدريب؛
- حدوث بعض التغيرات في الحياة الانفعالية للمتعلم.
شكل المنحنى الذي يوضح هذا النوع من التعلم هو كالآتي:
ج ـ هضبة التعلم الحركي: يمثل هذا المنحنى تحسن ملحوظ في الأداء لفترة طويلة نسبيا ثم تتبعها فترة استقرار أو ثبات واضح رغم الاستمرار في الممارسة و التمرّن، هذا الثبات مرتبط بعوامل عدة منها:
- وصول المتعلم إلى الحد الأقصى لقدراته البدنية، و يسمى كذلك الحد الفيزيولوجي.
- وصول المتعلم إلى الأهداف التي حددها مسبقا، و يسمى الحد الدافعي.
- عدم توفر الوسائل التي تساعد المتعلم تحقيق نتائج أفضل، ويعرف كذلك بالحد المادي.
الشكل الآتي يوضح استقرار و ثبات معدل زيادة التحسن للأداء الحركي من خلال عملية التعلم.
من الضروري على المدرس أو المدرب التأكد من نوع المنحنى قبل أخذ الإجراءات اللازمة لأن الرسم البياني أحيانا لا يوضح تماما نوع المنحنى، إذ تظهر بعض التغيّرات تارة في الاتجاه الإيجابي أو السلبي و تارة يظهر ثبات غير واضح، هذه الظواهر قد تكون عامة و لا أثر فيها، لكن إذا تبيّن أن التعلم أخذ اتجاه سلبي واضح أو ثبت مستقرا يجب على المربي في هذه الحالات البحث عن الأسباب و اتخاذ الحلول المناسبة.
2- 4- انتقال أثر التعلم: يعني مدى تأثير التعلم في الموقف الحالي على قدرة الفرد على التصرف في مواقف أخرى. فالإنسان يستخدم ما تعلمه في الماضي لكي يواجه ما تقتضيه الحاجة في مواقف أخرى، ومنه ينبغي أن يحدث قدر من انتقال أثر التعلم و إلاّ فلا فائدة من التعلم الحالي بالنسبة للمستقبل، و لا نفع من التعليم المدرسي بالنسبة للحياة خارج المدرسة. إلاّ أن من الغايات التي يحددها النظام التربوي هي انتقال أثر التعلم المدرسي إلى الحياة اليومية.
كثيرا ما تتداخل نتائج التعلم الماضي مع التعلم الجديد و تؤثر عليه إما بطريقة إيجابية أو سلبيا، و منه يمكن الاعتبار أن هناك نوعين من انتقال أثر التعلم و هما:
· الانتقال الإيجابي: و هو عبارة عن مساهمة تعلم معيّن سبق اكتسابه في تطوير مكتسبات جديدة و العمل على سهولة و سرعة تثبيتها و إتقانها.
· الانتقال السلبي: و هو عكس الانتقال الأول بمعنى أن تأثير تعلم سبق اكتسابه يكون بطريقة سلبية مما يجعل التعلم الجديد غير فعال يتميّز بالبطء و صعوبة الاكتساب.
2- 4- 1- نظريات انتقال أثر التعلم: هناك عدة نظريات تفسر عملية انتقال أثر التعلم و هي:
أ ـ نظرية العناصر المتماثلة: قدم ثور نديك نظرية على أن عملية النقل تحدث بين موقف من مواقف التعلم و موقف آخر على أساس ما يوجد من عناصر متماثلة في الموقفين، أي كلما زادت العناصر المتماثلة و المتشابهة زاد انتقال أثر التعلم و العكس صحيح. على سبيل المثال تعلم رمي الرمح و تعلم تسديد الكرة من وضعية الثبات في كرة اليد.
و أكدت مدرسة الجشطالت أن الانتقال يمكن أن يحدث حتى و لو لم تكن العناصر متشابهة و متماثلة بين الموقفين و ذلك من خلال تشابه الأنماط أو الصيغة الكلية للموقف و أطلقوا عليها نظرية الأنماط المتماثلة، على سبيل المثال تعلم احترام الأماكن و الحدود في مختلف الرياضات (حدود الميدان مثلا) ينتقل أثره على سلوك احترام البيئة الخارجية (عدم تجاوز بعض إشارات المرور مثلا).
ب ـ نظرية المبادئ العامة: تقوم هذه النظرية على تطبيق الأسس و المبادئ العامة على المواقف المختلفة، مثلا تعتبر معرفة أن قيمة عزم القوة تكون كبيرة كلما ازدادت قيمة ذراع القوة هذا يؤثر إيجابيا على كيفية حمل كتلة ثقيلة إذ يمكن حملها بسهولة لما تكون قريبة من المحور.
ج ـ نظرية تكوين الاتجاهات: يؤكد صاحب هذه النظرية أن أثر التعلم يحدث عن طريق تكوين اتجاهات عامة و مثل عليا، على سبيل المثال تعلم بعض السلوكيات الإيجابية في مواقف رياضية كالتحكم في الانفعالات (التحكم في الغضب مثلا) ينتقل أثره في الحياة اليومية و العلاقات مع الناس.
على الرغم من أن النظريات المختلفة تستخدم مصطلحات متباينة إلاّ أنها تؤكد فهم المبادئ و التعميمات، و تنمية الاتجاهات الإيجابية، و تعلم العمليات الفعالة. و من المهم أن يبحث المدرسون مقدار ما يتوقع حدوثه من انتقال أثر التعلم من موقف معين إلى مواقف أخرى، فهذا البحث يساعدهم في توجيه عملية التعلم توجيها مثمرا.
و يساعد معرفة انتقال أثر التعلم على ضبط عدة مهام من بينها[2]:
- تكوين اتجاه إيجابي نحو ما يتعلمه المرء؛
- التأكد من فعالية محتوى الدرس الذي يمكن تطبيقه في المجالات الأخرى؛
- وضع ما يريد المدرس انتقال أثره في صيغة مبدأ؛
- ممارسة تطبيق الحقائق و المبادئ العامة في ميادين أخرى.
3- طرق ومنهجية تعليم المهارات الحركية:
بشكل عام هناك ثلاث طرق رئيسية يمكن من خلالها تعلم المهارات الحركية المختلفة، يمكن استخدام كل واحدة منها في ظروف معيّنة.
3- 1- الطريقة الكلية: هي طريقة تعليم المهارة بشكل كلي دون تقسيمها إلى أجزاء و ذلك من خلال تأديتها دفعة واحدة، و تعتبر مناسبة للمهارات السهلة أي درجة منخفضة من التعقيد، و التي لا يمكن تجزئتها بمعنى أن الترابط و التكامل بين أجزائها مرتفع. من إيجابيات هذه الطريقة أنها تمكّن الإدراك الكلي للموقف و الرّبط المباشر بين أجزاء المهارة مما يسهل في سرعة تعلمها، كما أنها تعمل على إنشاء معلم شامل للمهارة في الذاكرة مما يمكّن الفرد أن يسترجعها (عملية الاستدعاء من الذاكرة) كوحدة واحدة.
3- 2- الطريقة الجزئية: هي طريقة تعليم المهارة بشكل جزئي و ذلك من خلال تقسيم المهارة إلى أجزاء (غالبا إلى ثلاثة أجزاء و هي الجزء التمهيدي أو الإعدادي، الجزء الرّئيسي و الجزء الختامي)، و يقوم المدرس بتعليم الجزء الأول حتى يتم اكتسابه بصفة جيّدة، ثم يمر للجزء الثاني و هكذا حتى يتعلم الفرد كل الأجزاء و بعد ذلك يتم الربط ما بين الأجزاء المختلفة. الشيء الإيجابي لهذه الطريقة هو إمكانية تعلم مهارات معقدة و صعبة جدا التي لا يمكن اكتسابها بالطريقة الكلية، لكن في بعض الأحيان يجد المتعلم صعوبة في ربط الأجزاء مما يجعل استعمالها يتميّز بنوع من الحيطة و الحذر. و بما أن كلتا الطريقتين لهما ميزات و عيوب فهناك طريقة أخرى تشمل جزء من كلتا الطريقتين.
3- 3- الطريقة الجزئية الكلية: و هي الطريقة الأكثر استعمالا، تهدف إلى تعليم المهارة ككل و بصورة مبسطة في أول الأمر، ثم التركيز على الأجزاء الصعبة ليتم تعليمها بشكل منفصل مع الربط في كل مرة بالأداء الكلي للمهارة.
3- 4- التخطيط لعملية تعليم المهارات الحركية: بعد التعرف بصورة عامة على المبادئ النظرية لعملية التعلم ينبغي في مرحلة ثانية التطرق بصفة وجيزة إلى الجانب العملي و التطبيقي و ذلك من خلال عرض النقاط الأساسية لموقف تعليمي عند المبتدئين[3].
أ ـ تقديم تمهيدي للنشاط على شكل معلومات سمعية و ذلك من خلال شرح النقاط الفنية للمهارة الحركية، و على المدرس أن يحترم بعض النقاط الهامة و هي:
- رفع من دافعية و اهتمام المتعلم و ذلك بتعليل أسباب تعلم النشاط المقدم؛
- توجيه انتباه المتعلم باستعمال معلومات متمركزة حول الموضوع بأسلوب سهل تكون فيه المعلومات مختصرة، صحيحة و كافية. كذلك يفضل تقديم التعليمات في صورة إيجابية و طابع مرح.
ب ـ تقديم نموذج للمهارة الحركية على شكل معلومات بصرية لاكتساب صورة واضحة للأداء الحركي وذلك من خلال عرض نموذج يوضح أهم أجزاء المهارة الحركية. تنفيذ النموذج يتم بواسطة المدرس أو أحد التلاميذ، و إن توفرت الإمكانيات يمكن استعمال الوسائل السمعية البصرية. هذه الخطوة تساعد في:
- زيادة فهم و إدراك المعلومات للمهارة المقدمة؛
- زيادة دافعية المتعلم و تحفزه على أداء الحركة و تعلمها؛
- المساعدة في تحليل و معرفة أجزاء الحركة.
ج ـ تطبيق النموذج من طرف التلاميذ مع تقديم التغذية الرّجعية أثناء المحاولات الأولى لتوجيه التلميذ توجيها سليما لتكوين نموذج مرجعي صحيح في ذاكرته. التغذية الرجعية تكون من مصدر خارجي أثناء المحاولات الأولى من خلال:
- معرفة نتائج و مستوى الأداء؛
- يمكن كذلك استعمال الوسائل البصرية؛
- صادرة عن المدرب أو المدرس من خلال تحديد الأخطاء و العمل على إصلاحها، تشجيع المتعلم على تقييم الأداء و العناية بأهم ما يمكن تحقيقه.
ثم تنتقل التغذية الرجعية نحو مصادر داخلية (الناتجة من أعضاء الحس الذاتية)، هنا يمكن المتعلم إعطاء تقويم موضوعي نسبيا لأدائه (التقويم الذاتي) لكن يبقى هذا التقويم دائما تحت مراقبة الأستاذ.
د ـ التدريب على المهارة من خلال التمرن و تكرار المحاولات لتثبيت المكتسبات، و العمل على تنويع متغيرات الأداء مع احترام مبدأ التدرج، كما ينبغي استخدام التعزيز لزيادة الأنماط السلوكية المرغوب فيها. و على المربي مراعاة بعض النقاط من أهمها:
- اختيار مهام حركية تتماشى و قدرات الطفل؛
- الاستخدام الأمثل للإمكانيات و زمن التدريب؛
- الاستعمال المناسب لعدد تكرار المحاولات مع التأكد من تحصيل خبرات نجاح في كل محاولة.
الـخـاتـمـة:
تمثل التربية أهم محور لتشكيل الشخصية الإنسانية بكافة جوانبها، و هي عملية أساسية لتكوين الفرد الصالح، كما ينبغي على المهتمين في هذا المجال تحديد التغييرات السلوكية المرغوب فيها و صياغتها على شكل غايات تربوية يطمح كل مربي لإدراكها و تحقيقها من خلال عملية التعليم الصحيح.
ويؤكد بعض المربون[4] أن التربية بصفة عامة تتم بشكل تدريجي و أن ما يصعب تحقيقه اليوم يمكن أن يتحقق غدا، لكن بالنسبة للتربية البدنية ينبغي أن تكون في وقتها المحدد لأن التعلم الحركي يعتمد أساسا على مدى نضج المتعلم أي أنه لا يمكن أن يتعلم مهارة حركية معينة إلاّ بعد أن يصل إلى نضج تام. و بالرغم من وجود اختلاف بين النضج و التعلم و تأثيرهما على النمو، فإن العلاقة بينهما هي علاقة ترابط و تكامل و أنه يوجد توقيتا معينا للاستفادة من التعلم، هذا التوقيت مرتبط بعامل النضج.
مما تقدم ينبغي على المربين و على وجه الخصوص المهتمين بالتربية البدنية أن يدركوا أهمية مهامهم و أن يؤدوها بكل إخلاص لأن الطفل ليس مجرد آلة فإن تعطلت يمكن استبدالها بل هو أمانة في عنق المربي يجب أن يرعاها حسن الرعاية و ذلك من خلال تعليمه و تكوينه تكوينا صالحا.
[1]جابر عبد الحميد جابر سيكولوجية التعلم و نظريات التعليم دار الكتاب الحديث الكويت 1982 ص11.
[2]جابر عبد الحميد جابر سيكولوجية التعلم و نظريات التعليم دار الكتاب الحديث الكويت 1982 ص146.
[3]مفتى إبراهيم حماد التدريب الرياضي للجنسين دار الفكر العربي القاهرة 1996 ص 163.
[4]محمد نور بن عبد الحفيظ سويد منهج التربية النبوية للطفل دار طيبة(ط 2) مكة المكرمة 1998 ص343.
برجاء ذكر المصدر حتى تعم الفائدة :المكتبة الرياضية الشاملة : التعلم الحركي
الحد الأدنى لطول التعليق هو 255 حرفا. التعليقات خاضعة للإشراف
المقالات التي قد تهمك أيضا:
الأداء والتحكم الحركي
الأداء والتحكم الحركي مـقـدمـة : من الصعب جدا ترتيب المواضيع المتعلقة بالأداء عند الإنسان ذلك لأنها ترتبط بعضها البعض و كل موضوع خاضع لبعض المفاهيم بالموضوع الآخر، لهذا السبب فضلنا قبل معالجة موضوع
التعلم الحركى
التعلم الحركى مفهوم التعلم - يعني التعلم: "التحسن البدني الثابت في الأداء الناتج عن التدريب او الممارسة العلمية” - التعلم لا يمكن ملاحظته مباشرة لان تغيرات داخلية، و هو مجموعة متداخلة من
المراجعة الشاملة لمادة التعلم الحركي
المراجعة الشاملة لمادة التعلم الحركي م / يأتي التعلم عن طريق ( التكرار و التصحيح ) وليس ( النضج و الدوافع) م / اقوى ذاكرة 1- الذاكرة الحركية 2- تليها الذاكرة عن طريق النظر 3- الذاكرة عن طريق السمع م
الإدراك الحسي / الإدراك الحس - حركي / الدقة الحركية
الإدراك الحسي / الإدراك الحس - حركي / الدقة الحركية أ د اثير محمد صبري الجميلي ثلاثة مصطلحات مركبة مستخدمة في علوم التربية الرياضية المتعددة مثل : علم النفس التربوي والرياضي علم الحركة والتعلم