ماهية الحركة عند الإنسان
ماهية الحركة عند الإنسان
1- تعريف الحركة و مفهومها في الحياة:جاء في القاموس الجديد للطلاب (1991 ص 277) تعريف الحركة على أنها الانتقال من موضع إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى وهي ضد السكون. كما تم تعريفها في المعجم العربي الأساسي لاروس (1991 ص309) على أنها خروج الشيء من سكونه وهي الدوران أو الانتقال من مكان إلى آخر. فيزيائيا تعرف الحركة على أنها تغيير الجسم أو أحد أجزائه مكانيا وزمنيا أي أنها علاقة زمنية مكانية بغض النظر عن القوى المسببة والمؤثرة في حدوثها وسريانها.
ويعرف جنس و سولتر (Gens et Solter ) الحركة عند الإنسان على أنها انتقال أو دوران الجسم أو أحد أجزائه في اتجاه ما وبسرعة معينة باستخدام أداة أو بدونها وتحدث نتيجة لانقباض العضلات والذي ينتج عنها الحركة في الجسم كله أو أحد أجزائه[1]. هذا يشكل المظهر الخارجي للحركة بينما يجب النظر للسلوك الحركي الإنساني كآليات تفاعل بين الظواهر النفسية والعصبية والفيزيولوجية كعمليات داخلية بالإضافة إلى العوامل المورفولوجية والميكانيكية ليتضح الأداء كناتج.
لما نتكلم عن الحركة بمعناها الواسع يمكن القول أنها النشاط والحيوية وهي الشكل الأساسي الظاهري للحياة أي أن انعدامها المطلق يعني الموت، كما يمكن أن تكون وسيلة لعدة أغراض، على سبيل المثال أن تكون الحركة وسيلة للتنقل، تغيير حالة، أداء عمل يومي أو مهني...هذه الأشكال لها غرض نفعي. الحركة أيضا وسيلة للتعبير لكونها من أقدم أشكال الاتصال فهي أسلوب للتعبير عن ما في الوجدان من أفراح أو أحزان، وسيلة لربط العلاقات بين الأفراد والجماعات، هذا يشكل مفهوم اجتماعي عاطفي. من خلال الحركة أيضا يمكن اكتساب النواحي المعرفية كاكتشاف القدرات الذاتية وما يمكن إنجازه كذلك استكشاف العالم من حولنا وما يمكن الوصول إليه، هذا يحقق أغراض إدراكية ومعرفية. بعض العبادات تؤدى من خلال الحركة كالصلاة والحج في ديننا الإسلامي أو بعض الحركات في ديانات أخرى، هذا النوع من الحركات له معنى عبادي.
مما تقدم يتضح لنا أن للحركة معاني وأغراض كثيرة، لكن ومع التقدم التكنولوجي الذي شهده هذا العصر تقلص المجال الحركي للإنسان مما أثر سلبا على نشاطه وسلوكه الحركي وحتى على حياته بصورة عامة ومن هنا أصبحت الرياضة والتربية البدنية أمرا ضروريا لا يستهان به لمساعدة نمو الفرد من ناحية قدراته البدنية والحركية وبالتالي يكون تأثيرا إيجابيا على الحالة النفسية مما يقلل من الضغط التي تفرضه البيئة ومن تم تقليص بعض الاضطرابات النفسية والاجتماعية كالقلق، الاكتئاب والغضب إلخ... هذا من جهة. ومن جهة أخرى يرتبط المجال الرياضي بمختلف مجالات الحياة كالصحة والتربية والثقافة والصناعة والسياسة إلخ… لذلك سوف نتطرق إلى مفهوم الحركة في المجال الرياضي.
2- الحركة في المجال الرياضي:
تبدأ الحركة عند الإنسان من قبل الولادة إلى آخر مرحلة في حياته، ومنذ الولادة تظهر عند الرضيع حركات فطرية (Mouvements Innés) ثم تتطور وتتحسن مع مرور الوقت نتيجة لعملية النمو كالزحف والمشي والجري إلخ… وتسمى الحركات الأساسية أو الأولية.
ولما يحقق الطفل استعدادا بدنيا ونفسيا هنالك يبدأ عن طريق التعلم في اكتساب حركات نوع ما معقدة تسمى الحركات المكتسبة (Mouvements acquis) حين يصبح الأداء جيد، متميز بالكفاءة العالية وتنجز فيه الحركات ضمن معايير وأهداف محددة تصبح حينئذ تحت تسمية المهارات الحركية (Habilités motrices) .
2-1- المهارات الحركية:
يستخدم مصطلح المهارات بطرق متعددة ومتنوعة حيث يتضمن مختلف مجالات الحياة، فيمكن للعامل أن يكون ماهرا في حرفته، والجراح ماهرا في العمليات الجراحية، و السائق ماهرا في قيادة السيارة، و الفنان ماهرا في أدائه الموسيقي، و المعلم ماهرا في عمله التربوي ، و الرياضي ماهرا في رياضته إلخ… و للمهارة مستويات غير مستقرة بحيث يرتبط مستواها بقدرات الشخص سواء كانت بدنية، حركية، عقلية أو نفسية، لذلك يعتبر الطفل ماهرا في سنه بإنجازه لعمل ما، ربما قد لا يوصف بذلك بعد وقت معين أو بالنسبة لطفل آخر أكبر منه.
ويمكن تعريف المهارة على أنها إنجاز عمل بطريقة آلية يؤدي إلى الاقتصاد في الزمن و الجهد و الطاقة. كما يمكن تصنيف المهارات بصفة عامة إلى قسمين ؛ المهارات العقلية و المهارات الحركية. إن ما يهمنا في مجال علم الحركة بطبيعة الحال هي المهارات الحركية و التي تنقسم بدورها إلى مهارات حرفية التي ت ضم كل الأعمال و الأنشطة الحياتية و المهنية التي تستعمل فيها الحركة لتحقيق هدف معين إما بمشاركة العضلات الكبيرة كالبناء و الزراعة و الصناعة الثقيلة إلخ… أو باستعمال العضلات الصغيرة مثل الرسم و النحت و الخياطة إلخ… و من جهة أخرى هناك المهارات الرياضية التي تهمنا أكثر في موضوعنا هذا.
وبما أن الرياضة تحتوي عن العديد من التخصصات فإن لكل تخصص يحتاج إلى طريقة أداء تشملها لوائح ثابتة و تحددها قوانين اللعبة. هذا الأداء الخاص يسمى التكنيك (Technique). و يرى أحمد بسطويسي (1996 ص 43) أن :" التكنيك الرياضي ما هو إلا طريقة أداء اقتصادية و مثلى لحل مشاكل المهارية الحركية، و هذه الطريقة مبنية على أسس بيوميكانيكية و بيولوجية للوصول إلى أعلى مستوى ممكن في حدود الإمكانيات الجسمية للرياضي و في حدود اللوائح و القوانين المنظمة للمهارة".
هذا يعني أن التكنيك هو أداء حركي صحيح فنيا لنشاط معين، لكن ليس كل من يتقن التكنيك يعتبر ماهرا، و تؤكد على ذلك حالة اللاعب الذي يتقن بعض التقنيات في لعبته و يؤديها ببراعة أثناء التدريب لكن يعجز عن تنفيذها بالشكل المناسب في المقابلات مع الخصم. ذلك يدل أن المهارة ليست مجرد أداء فني صحيح بل هي أوسع من ذلك و هذا حسب متطلبات النشاط ، لكن لا ننسى أن التكنيك هو جزء هام من المهارة.
أحيانا يتطلب النشاط التركيز على الفعل الحركي الذي يعتبر العامل الحاسم لأداء المهارة تحت ظروف محددة بوضوح، مثال ذلك منافسات القفز ، الوثب ، الرمي ، الجري و السباحة لمسافات قصيرة إلخ… في هذه الحالات يعتبر التكنيك عامل أساسي و هام جدا. بينما رياضات أخرى مثل الألعاب الجماعية ، الملاكمة ، المصارعة إلخ… تتطلب انتباه فعال للموقف و إدراك المتغيرات الخارجية التي لها دلالة و الاستجابة الملائمة لها.
مما تقدم يتضح لنا أن النشاطات الرياضية تختلف باختلاف متطلبات أدائها، لذلك قام الكثير من المختصين في المجال الرياضي بتصنيف مختلف المهارات الحركية و الرياضية.
2-2- تصنيف المهارات الحركية: تم تصنيف المهارات الحركية تبعا لعدة عوامل نذكر منها:
أ ـ حسب حجم و عدد العضلات المشتركة في أداء الحركة: في هذا القسم نجد نوعين من المهارات؛ مهارات حركية كبيرة تستخدم فيها مجموعة من العضلات الكبيرة، و قد يشترك الجسم كله أحيانا في تنفيذها. و هناك مهارات حركية دقيقة تشترك في أدائها مجموعة العضلات الصغيرة التي تتطلب مستوى عال من الدقة، و كثيرا ما تعتمد هذه المهارات على توافق عضلي عصبي بين اليدين و العينين.
وما نلاحظه في هذا التصنيف أنه في بعض المهارات الرياضية لا يمكن الفصل بين كل من العضلات الكبيرة و الصغيرة بل يكون الإنجاز مشترك و يحتاج إلى انتقال و توزيع القوة بدقة و انسيابية في العمل و ذلك مثل التسديد في كرة السلة ، الإرسال في كرة الطائرة ، السحق في التنس إلخ…
ب ـ حسب المراحل الزمنية التي تنجز فيها المهارة: نجد في هذا التصنيف ثلاثة أنواع و هي :
مهارات مستمرة ؛ تتكرر فيها الحركات بشكل متشابه و مستمر دون توقف ملحوظ حتى المرحلة النهائية للمهارة مثل الجري ، السباحة ، التجديف إلخ…
مهارات متقطعة ؛ تكون فيها مرحلة البداية و النهاية واضحة و لا يرتبط الجزء الأول من الحركة بالذي يليه مثل رفع الأثقال ، الملاكمة ، تصويب ضربة حرة في الألعاب الجماعية إلخ…
مهارات متماسكة ؛ هي مهارات تقع بين المهارات المستمرة و المهارات المتقطعة بحيث ترتبط فيها المراحل الواحدة تلوى الأخرى مثل الوثب ، القفز، الحركات الأرضية في الجمباز إلخ…
ج ـ حسب متطلبات الظروف البيئية: هذا التصنيف هو الأكثر استعمالا حيث اقترحت كناب (Knapp) سلسلة من المهارات في أحد طرفيها توجد المهارات التي يتغلب عليها التكنيك و في الطرف الآخر المهارات التي يغلب عليها الجانب الإدراكي المعرفي[2].
نجد في هذا التصنيف ما يسمى المهارات المغلقة والمهارات المفتوحة كما هو مبين في الشكل التالي:
الشكل رقم (1): توزيع المهارات الحركية المختلفة في النشاط الرياضي حسب تصنيف كناب
مما تقدم يتبين لنا أن معرفة متطلبات المهارة الرياضية من الأشياء الضرورية لمدرس التربية البدنية و المدربين لإيجاد الحلول المناسبة في عملية التعليم و التدريب و التقويم للأداء الحركي ، و هذا بغض النظر عن متطلبات أخرى بالغة الأهمية مثل نمو الطفل و استعداده للتعلم، البيئة الخارجية و ما يحيط بها ، المناهج و الطرق التعليمية و التدريبية و مدى نجا عتها… لذلك فكر العديد من الباحثين في هذا المجال إيجاد الحلول المناسبة للكثير من الإشكاليات عبر مختلف المواضيع للدراسة و البحث.
3- مجالات البحث في علم الحركة:
يعتبر مجال البحث لدراسة السلوك الحركي الإنساني من المجالات ذات الأهمية البالغة لمعرفة و فهم خصائص و مميزات النمو الحركي عبر مراحل نمو الفرد ، و مدى استعداده لاكتساب مختلف المهارات الحركية. و تشير الدراسات حول التطور التاريخي للنمو الحركي[3] أنه بالرغم من التطور العلمي لعلم النفس النمو منذ مطلع القرن (17م) إلاّ أن النمو الحركي لم يحظى بالاهتمام اللازم حتى بداية الثلاثينيات من القرن (20م) أي في حوالي 1930م فترة بداية الاهتمام بالنضج باعتباره العامل الأساسي لتحقيق النمو، و قد شهدت هذه الفترة إلى غاية 1946م العديد من الدراسات الوصفية للسلوك الحركي من أهمها دراسة مك جرو عام 1935م التي اهتمت لعامل النضج في عملية النمو، و أكدت أن تغيرات السلوك الحركي للطفل الرضيع تحدث نتيجة نضج الجهاز العصبي المركزي ، لكنها لم تهمل دور التعلم في تحقيق النمو .
بعد الحرب العالمية الثانية ظهر الكثير من الباحثين المختصين في المجال الرياضي و التربية البدنية مثل اسبنشاد (Espenshad)، جلاسو (Glassow) و راريك (Rarick) الذين ركزوا دراساتهم حول تطور نمو المهارات الحركية للأطفال وفقا لأعمارهم و بمختلف مراحل التعلم.
كما شهدت فترة الخمسينيات العديد من الدراسات ركزت اهتمامها حول إسهامات النمو البدني و القوة العضلية في الأداء الحركي للأطفال و من أهم هذه الدراسات نذكر من بينها :
- دراسة سيلس (Sells) عام 1951م عن العلاقة بين قياسات النمو البدني و الأداء الحركي لعضلات الجسم الكبيرة لأطفال الابتدائي.
- دراسة اسموسن و نيلسون (Asmossen et Nelson) عام 1955م عن تحليل الأداء البدني و النمو للأطفال الذكور.
- دراسة كلارك وهاريسون (Clark et Harisson) عام 1962م عن الفروق في الصفات البدنية و الحركية بين الأولاد المتفوقون و العاديين و المتخلفين من حيث النضج.
و شهدت نهاية الستينيات بداية الاهتمام بمجال النمو الإدراكي الحركي (Développement perceptivo-moteur). حيث أدرك الباحثون أن النمو البدني و الحركي للطفل يؤثر بطريقة مباشرة على حياته النفسية عامة و على حياته المدرسية بصفة خاصة، كذلك أهمية النمو الحركي كمصدر أساسي للتنمية الإدراكية و المعرفية للطفل.
في بداية السبعينيات شهدت عدة محاولات للتعرف على العوامل المسؤولة عن النمو الحركي. العمل الذي نشره كونولي (Connolly) عام 1970م عن ميكانيزمات النمو الحركي كان نقطة البداية للاهتمام بالنمو كعملية (Processus) و ليس فقط كناتج (Produit) ، و اتخذت الدراسات في هذا الجانب اتجاهين عامين:
- أحدهما ينتمي للبحث حول عملية تعلم المهارات الحركية نتيجة الممارسة أي التعلم الحركي (Apprentissage moteur) مثل أعمال نيوال (Newell) وكيندي (Kennedy) عام 1978م و هذا يعتبر محورا هام جدا خاصة لمدرسي التربية البدنية و الرياضية.
- أما الاتجاه الآخر يهتم بالبحوث حول التحكم الحركي (Contrôle moteur ) مثل أعمال بورنر (Burner) عام 1973م عن تنظيم الأداء المهاري المبكر للطفل ، هاي (Hay) عام 1981م عن التحليل المكاني و الإيقاعي لحركات الطفل ، و آخرون مثل كلارك (Clark) .
قبل أن نتطرق لموضوع النمو الحركي كعملية و على الخصوص موضوع التعلم الحركي الذي يعتبر الشغل الشاغل لأستاذ التربية البدنية والمحور الأساسي الذي تدور حوله عملية التدريس والتعليم، و بما أن الحركة في طبيعتها تعتبر نشاط حسي حركي أي أن السلوك الحركي يظهر بعد استقبال الفرد لمثيرات سواء خارجية أو داخلية وذلك بفضل المستقبلات الحسية ، ومن أجل ذلك سوف نتعرف أولاّ عن مكونات الجهاز الحركي للإنسان ثم كيفية حدوث الفعل الحركي والعوامل التي تؤثر فيه.
- الدكتور بوخراز رضوان- معهد التربية البدنية و الرياضية - جامعة الجزائر
[1] بسطوسي أحمد " أسس و نظريات الحركة " دار الفكر العربي ، القاهرة 1996 ، ص 19 .
[2] محمود عوض بسيوني و فيصل ياسين الشاطي نظريات و طرق التربية البدنية ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر1987، ص 55.
[3] أسامة كامل الراتب النمو الحركي دار الفكر العربي ط 2 القاهرة 1994 ص 15-23.
برجاء ذكر المصدر حتى تعم الفائدة :المكتبة الرياضية الشاملة : ماهية الحركة عند الإنسان