النمو الحركي عند الإنسان
النمو الحركي عند الإنسان
مـقـدمـة: على مر العصور اهتم الباحثون في مختلف المجالات بدراسة حياة الطفل و نموّه و تربيته، و أكد العلماء أن الطفل ليس بمثابة رجل صغير بل له شخصيته النفسية المتميزة و أن نموه في المراحل الأولى من حياته يتم بفضل التنشيط الفعال للحواس و تزويده بالخبرات الصحيحة و ذلك من خلال الحركة.
لكن من منطلق بعض المعتقدات الفلسفية التي اعتبرت الجسم كيانا ماديا أقل شأن من العقل، ظلت التربية و لعصور طويلة تعمل من أجل العقل و ترفع من شأنه على حساب الجوانب الحركية و البدنية في الشخصية الإنسانية. و أقرّ الإسلام أن اللعب طبيعة فطرية عند الطفل لينمو جسمه نموا طبيعيا بشكل قوي، و أكدت عدّة مواقف في عهد الرسول (ص) و السلف الصالح عن اهتمام الدين الإسلامي بالتربية البدنية للطفل لتحقيق النمو المتكامل[1]. و اهتم كذلك العديد من التربيين منذ مطلع القرن (17) بعملية النمو عند الطفل بصورة شاملة، إلاّ أن الاهتمام بالنمو الحركي لم يكن بطريقة مباشرة و لم يكن مركز الاهتمام، لكن يجب الإشارة أن الفترة ما بين القرن (17) و بداية القرن (20) كانت بمثابة فترة تمهيدية لدراسة النمو الحركي عند الطفل و ذلك بفضل تقديم العديد من المعلومات القيمة عن تغيرات السلوك الحركي عند الرضيع.
و في بداية الثلاثينات من القرن (20) بدأ الاهتمام بدراسة عامل النضج نظرا لأهميته البالغة في تحقيق النمو عند الطفل، و برزت خلال هذه الفترة أعمال كل من جيزل Gesell عام (1928)، و مك جروMc Grow عام (1935) هذان الباحثان لهما دور كبير في تطوّر مجال النمو الحركي. و تيقن المهتمون بتربية الأطفال أن النمو البدني و الحركي له أهمية كبيرة في التنمية الإدراكية و المعرفية للطفل، و تزامن ذلك بمرحلة الاهتمام بالنمو الإدراك ـ الحركي و ذلك في نهاية الستينات من القرن (20) فترة الاهتمام بالنمو الحركي كعملية للتعرف عن العوامل المسؤولة عن النمو.
1- المفاهيم الأساسية للنمو الحركي:
1- 1- مفهوم النمو: النمو الإنساني هو جملة من التغيرات المتسلسلة و المتكاملة خلال حياة الإنسان، و ينقسم بشكل عام إلى النمو التكويني الذي يبدأ بتلقيح البويضة في رحم الأم و من تم تبدأ التغيرات المتسلسلة سواء من المظهر الخارجي (الطول، الوزن إلخ… ) أو داخليا كنمو الأعضاء الداخلية. نجد كذلك النمو الوظيفي و هو نمو الوظائف الجسمية و العقلية و الاجتماعية لتساير تطوّر حياة الفرد.
النمو الحركي هو جزء من النمو العام ويمثل التغيرات في السلوك الحركي للطفل والعمليات المسؤولة لهذا التغيّر، ويعتبر النضج والخبرة من أهم العوامل التي تؤثر في عملية النمو الحركي. النضج (Maturation) هو تلك العمليات العضوية الداخلية المسؤولة عن النمو (مرتبط بالنمو التكويني)، ويتميّز بنظام ثابت من التقدم أي أنه لا يوجد اختلاف من حيث التتابع والتسلسل في التغيرات حتى ولو وجد اختلاف في معدل سرعة النمو. النضج لا يتأثر بعوامل الخبرة والتعلم.
الخبرة هي كل ما يكتسبه الفرد من معارف من خلال احتكاكه مع البيئة الخارجية، ويتم ذلك بفضل التعلم الذي يعتبر تغيير في السلوك نتيجة الممارسة أو التدريب وغير ناتج عن النضج أو التعب. أما العلاقة بين النضج والتعلم هي أنه يوجد توقيتا معينا للاستفادة من التعلم، هذا التوقيت مرتبط بعملية النضج، بمعنى آخر أن لكل عملية نمو تكويني توجد فترة محددة ومناسبة يكون فيها الطفل مستعدا للتعلم، فإذا بدأ التعلم إلى حد كبير قبل أو بعد هذه الفترة الحرجة عندئذ يصبح قليل الجدوى ومضيّع للوقت. وللنمو الحركي مبادئ عامة من بينها:
أ ـ مبدأ الاستمرارية و التتابع: بمعنى أن النمو يسير وفق مراحل تتميز كل واحدة منها بسمات و خصائص واضحة، كما تعتمد كل مرحلة على التي تسبقها و تمهد الطريق لظهور المرحلة التي تليها. على سبيل المثال؛ المشي عند الطفل يبدأ بعد ما يتمكن من الوقوف و المحافظة على توازنه و يمهد المشي لسلوك حركي أكثر تعقيد و هو الجري.
ب ـ مبدأ التكامل: يمثل النمو الحركي عملية متكاملة مع الجوانب الأخرى للسلوك الإنساني، أي أن النمو الحركي و النمو العقلي و كذلك النمو الانفعالي يؤثر كل جانب على الآخر.
ج ـ مبدأ اختلاف سرعة النمو: وجود اختلاف في معدل سرعة النمو البدني و الحركي عبر مراحل العمر المختلفة، و مثال ذلك معدل سرعة النمو بالنسبة للطول.
د ـ مبدأ الفروق الفردية: يختلف الناس فيما بينهم من حيث النمو بصفة عامة أو النمو الحركي بشكل خاص، و يمثل الأطفال العاديين في نموّهم الأغلبية و هم في منتصف التوزيع، وهناك أقلية يوجدون في الأطراف سواء بالزيادة أو النقصان. هذا المبدأ مهم جدا بالنسبة لأستاذ التربية البدنية لأن الأطفال موزعون في الأقسام حسب السن الزمني بينما ينبغي التعامل معهم حسب سنهم البيولوجي و اختلافهم في سرعة نموّهم.
و هناك طريقتين أساسيتين لدراسة ظاهرة النمو عند الإنسان و النمو الحركي على وجه الخصوص و هما الطريقة الطولية و الطريقة المستعرضة. بالنسبة للطريقة الطولية تمكن في متابعة المتغيرات المستهدف دراستها على نفس المجموعة من الأطفال عبر مختلف مراحل نموّهم، و تستغرق أحيانا عدد كبير من السنين، أما الطريقة المستعرضة التي تعتبر الطريقة الأكثر استعمالا تتمحور حول متابعة مجموعات مختلفة من الأطفال في أعمار زمنية متسلسلة، دراسة المتغيرات المستهدفة لمدة زمنية قصيرة نوعا ما ثم المقارنة بين المجموعات لتحديد النمو.
و تهدف دراسة النمو الحركي إلى تحقيق أهداف جد هامة نذكر منها:
- الوصف (Décrire) وهو معرفة الكيفية التي يسير عليها النمو عبر مختلف المراحل لحياة الإنسان؛
- التفسير (Expliquer) وهو معرفة العوامل التي تؤدي إلى ظهور النمو في مرحلة من المراحل و تفسيرها؛
- التنبؤ (Prédire) هو توقع معدل تقدم النمو، و تزداد احتمالات التوقع كلما كان التفسير دقيق و معرفة جيدة لأسباب حدوث النمو و العوامل المؤثرة فيه؛
- التحكم و الضبط (Contrôler) التمكن من تحقيق التغيرات التي يرغب فيها، و إيقاف أو تقليل التغيرات التي لا يهتم بها.
1- 2- نظريات النمو: هناك عدة نظريات تهتم بدراسة و تفسير ظاهرة النمو عند الإنسان، و تختلف هذه النظريات من حيث درجة الاهتمام ببعض مظاهر السلوك، و من أهم هذه النظريات نجد:
- نظرية التحليل النفسي لفرويد (Freud) التي تفترض وجود دوافع أساسية تسمى الغرائز التي يجب إشباعها في كل مرحلة من مراحل النمو. و ركّز فرويد عن الغرائز الجنسية لذلك سميت نظريته بالنظرية النفسية الجنسية، كما وصف أربع مراحل لنمو الطفل حتى سن البلوغ.
- نظرية أركسون (Erikson) أدخل بعض التعديلات لنظرية التحليل النفسي مركزا عن تأثير البيئة الاجتماعية عن شخصية الطفل، و سميت نظريته بالنظرية النفسية الاجتماعية و قسم أركسون مراحل النمو الإنساني إلى ثماني مراحل.
- نظرية بياجيه (Piaget) حول النمو العقلي التي اهتمت بالجوانب الحسية المعرفية، و اقترح بياجيه أربع مراحل أساسية متتابعة من الولادة إلى المراهقة.
- نظرية جيزل (Gesell) الذي فسر ارتباط نمو الطفل بالنمو الحركي، و سمى نظريته بنظرية النضج، و يرى مؤيدو هذه النظرية أن النمو يحدث بطريقة ثابتة و منظمة داخلية و متدرجة و أن العوامل البيئية تؤثر بنسب محدودة و تكيّف النمو و لكنها لا تولّده.
رغم كل هذه النظريات فلا يمكن تفسير النمو الشامل بصفة دقيقة لأنه لا توجد نظرية يمكن الاعتماد عليها في تفسير كل الظواهر النمائية في إطار موحد. و انطلاقا من فكرة أن الإنسان وحدة موّحدة لا تتجزّأ من حيث الجوانب البدنية و النفسية و العقلية لذلك يجب الاهتمام بالنمو بنظرة متكاملة و أن النمو البدني و الحركي يعتبر جانب بالغ الأهمية لفعاليته الوظيفية في عملية النمو. و للإشارة أنه رغم اختلاف النظريات فإنها تهتم بظاهرة اللعب و النشاط الحركي باعتباره من العوامل الهامة لتدعيم الناحية الوظيفية لسلوك الطفل، ذلك يعني أنها تناولت النمو الحركي بصفة غير مباشرة.
الشكل الآتي يعبر عن تداخل بين مظاهر النمو المختلفة للفرد.
النمو العقلي
النمو البدني و الحركي النمو النفسي
2- مراحل النمو الحركي: اهتم جالاهو (Gallahue ; D.) سنة 1982 بالجانب الحركي في عملية النمو حيث قدّم إطار نظري متكامل كنظرية لتفسير النمو الحركي، و حدد أربع مراحل رئيسية و هي:
2- 1- مرحلة الحركة الانعكاسية (من الميلاد إلى حوالي سنة واحدة): تعتبر ميكانيزمات أولية لضمان بقاء حياة الرضيع، هذه الحركات تندرج ضمن الفعل اللاإرادي يتمثل في سلوكيات انعكاسية بسيطة مثل انعكاس المص و أخذ الأشياء إلى الفم، المسك، انعكاس القوام.
2- 2- مرحلة الحركة الأولية (من سنة إلى حوالي سنتين): تمثل هذه المرحلة الشكل الأولي للحركة الإرادية و تتحدد أساسا وفقا لعامل النضج، تشمل حركات الاتزان، حركات التحكم و السيطرة، و حركات التحرك المكاني (Locomotion).
2- 3- مرحلة الحركات الأساسية (من 2 إلى 7 سنوات): بالرغم أن النضج يعتبر العامل الأساسي في نمو القدرات الحركية الأساسية إلاّ أن في هذه المرحلة تؤثر عوامل أخرى ذات أهمية بالغة مثل فرص الممارسة و التعلم. و تنقسم هذه المرحلة إلى قسمين هامين:
أ ـ المرحلة البدائية (من 2 إلى 4 سنوات): تتميز هذه المرحلة بالتحسن في الأداء من حيث التحكم و السيطرة و التوافق لعناصر الحركة من حيث الإيقاع الزمني و المكاني، لكنها تتميز أيضا بالإسراف في بذل الجهد و الطاقة، و تتخللها حركات أخرى غير ضرورية (Mouvements Parasites). و تعتبر هذه المرحلة هامة جدا بحيث أثبتت بعض الدراسات أن الأطفال الذين أتيحت لهم فرص الممارسة و التعلم الجيد لديهم فارق واضح في أدائهم للمهارات الأساسية مقارنة مع الأطفال الذين لم تتح لهم هذه الفرصة.
ب ـ مرحلة النضج (من 4 إلى 7 سنوات): تتميز هذه المرحلة بالتوافق و السيطرة الجيدين لأداء المهارات الأساسية، و فيها يبلغ الطفل النضج لمرحلة الطفولة المبكرة، فإذا توفرت الظروف للتعلم الصحيح و الممارسة المستمرة فإن الطفل يكون في استعداد جيد لتحقيق متطلبات النمو الحركي للمرحلة التي تليها و إلاّ سوف يكون له أثر سلبي في نموه الحركي.
2- 4- مرحلة الحركات الرياضية (من 7 إلى 13 سنة فأكثر): هي امتداد لنمو المرحلة السابقة بحيث كان تعلم الحركة يمثل هدفا في حد ذاته أما في هذه المرحلة أصبح وسيلة تستخدم في أنشطة و ألعاب متنوعة و على الطفل أن يكتسب التزاوج فيما بين المهارات الأساسية (مهارات الانتقال ـ مهارات التحكم و السيطرة ـ مهارات الثبات و الاتزان) حتى يمكن توظيفها كمتطلبات لأداء الأنشطة الرياضية. وتنقسم هذه المرحلة إلى ثلاث مراحل فرعية و هي:
أ ـ المرحلة الانتقالية (من 7 إلى حوالي 10 سنوات): يكون الطفل مستعدا لأداء المهارات الحركية العامة وهي أفضل من الحركات الأساسية من حيث الشكل و الدقة و التحكم الحركي، كذلك إمكانية ازدواج عدد من المهارات العامة. وتعتبر المرحلة الانتقالية فترة خصبة للمهتمين بتربية الطفل حركيا حيث يتميز الأطفال بالنشاط و الحيوية و هنا تظهر أهمية دور المربي الرياضي لإتاحة الفرصة للأطفال لتطوير قدراتهم من خلال تنويع الأنشطة، لكن يجب عدم حث الطفل على التخصص في نشاط معين لأن التبكير بالتخصص في هذه المرحلة له أثار سلبية للمرحلة التالية للنمو الحركي.
ب ـ المرحلة النوعية (من 10 إلى حوالي 13 سنة): فضلا عن تنوّع و اتساع الخبرات الحركية التي يواجهها الطفل، تشهد هذه الفترة تغيرات هامة في نمو المهارات الرياضية بفضل مساهمة القدرات المعرفية و الوجدانية. و بما أن لكل نشاط رياضي له خصائص يتميز بها لذلك يتوقف النجاح في تخصص معين على كل من الاستعداد البدني و النفسي لذلك نلاحظ أن الطفل في هذا السن يفضل ممارسة بعض الأنشطة الرياضية على غرار البعض الآخر، و هنا يكون دور المربي الرياضي في كشف و توجيه المواهب الرياضية.
ج ـ المرحلة التخصصية (من 13 سنة فأكثر): تتميز بالتخصص في نشاط رياضي معيّن، و تتخذ الممارسة أشكال مختلفة من حيث مستويات المنافسة أو بغرض الترويح، المهم أن هذه الممارسة تكون مستمرة مدى حياة الإنسان لتحقيق الأهداف العامة لعملية التربية البدنية و هي تحسين صحة الفرد و تطوير قدراته الحركية من أجل حياة أفضل.
3- مفهوم القدرات الحركية:
اختلف العلماء في تحديد مفهوم القدرات الحركية بحيث تم استخدام عدة مصطلحات ترادف هذا المفهوم أو تحدد جزء منه مثل مصطلح القدرات البدنية، اللياقة البدنية، الصفات الحركية، اللياقة الحركية إلخ… كما تم تعريف هذه المفاهيم على أشكال مختلفة لكن المضمون و المقصود هو نفسه، على سبيل المثال؛ تم تعريف اللياقة البدنية بشكل عام على أنها كفاءة البدن في مواجهة متطلبات الحياة.
- تعريف ماتيوز (Mathews) للياقة الحركية على أنها مرحلة محدودة من القدرة الحركية تؤكد عن مقدرة الفرد على العمل العنيف.
- تعريف مك جي (Mc Gee) للقدرة الحركية على أنها المستوى الراهن لقدرة الفرد التي تمكنه من القيام بواجباته في أنشطة رياضية متنوعة.
وتساهم التربية البدنية و الرياضية بقدر كبير لاكتساب هذه القدرة، حيث حسب ما جاء به نص قانون الأمر رقم 95 ـ 09 المؤرخ بيوم 25 فيفري 1995 و المتعلق بتنظيم و تطوير الحركة الرياضية في المجتمع الجزائري أنه من بين أهداف التربية البدنية و الرياضية هو إتاحة فرص الممارسة و التعلم لتطوير و المحافظة على القدرات النفس ـ حركية (Capacités Psychomotrices) للطفل عبر مختلف مراحل نموّه. و كما ذكرنا سابقا أن فرص الممارسة و التعلم الحركي تبدأ فعاليتها من مرحلة الحركات الأساسية.
3- 1- أهمية الحركات الأساسية: توافق مرحلة الطفولة المبكرة (من 2 إلى 7 سنوات)، و تتزامن مع سن ما قبل التمدرس (L’âge Préscolaire) الذي يعتبر سن مميز و هام جدا، فإذا توفرت فرص الممارسة و التعلم يحقق الطفل المزيد من التحكم و السيطرة على القدرات الحركية الأولية التي اكتسبها الطفل في المرحلة السابقة. و يمكن تصنيف الحركات الأساسية إلى ثلاثة أقسام و هي:
- الحركات الانتقالية: مثل المشي، الجري و الوثب على مختلف أشكاله.
- حركات التحكم و السيطرة: وتنقسم إلى حركات التحكم و السيطرة للعضلات الدقيقة و المتمثلة في أنواع الحركات المستعملة في الحياة اليومية. أما القسم الثاني و الذي يهمنا أكثر في المجال الرياضي يتمثل في التحكم و السيطرة للعضلات الكبيرة مثل حركات الرمي و الاستلام.
- حركات الثبات و الاتزان: و تنقسم كذلك إلى نوعين، التوازن الثابت و التوازن الحركي.
كل هذه الحركات تمر عبر مراحل فرعية (مرحلة بدائية و مرحلة نضج) و تختلف قدرة اكتسابها عند الأطفال حسب الفروق الفردية لكن لا توجد فروق واضحة بين الجنسين. كما يجب إتاحة فرص الممارسة و التعلم الصحيح لتحقيق نمو حركي سليم على وجه الخصوص و نمو متكامل للطفل على وجه العموم إلاّ أنه يجب أن تكون النشاطات الحركية متنوعة على شكل ألعاب مسلية.
3- 2- الحركات الرياضية: تتزامن مع مرحلة الطفولة المتأخرة و المراهقة (من 7 إلى 13 سنة فأكثر)، يكون فيها التعلم الحركي و التدريب وسيلة لاكتساب قدرة التنسيق بين مختلف الحركات الأساسية حتى يتمكن الطفل من توظيفها لأداء حركات أكثر تعقيد تندرج ضمن متطلبات الأنشطة الرياضية.
العلاقة بين مراحل النمو الحركي و القدرات الحركية تبيّن أنه خلال مختلف مراحل النمو يكتسب الطفل صفات منها ما هو مرتبط بـ:
- الحالة الصحية و السعة الوظيفية للطفل في أداء عمل معين و تسمى اللياقة البدنية.
- مدى كفاءة الطفل في أداء المهارات الحركية الأساسية و تسمى اللياقة الحركية.
3- 3- مكونات القدرات الحركية: اختلف مرة أخرى المختصون في المجال الرياضي في تحديد و تصنيف مكونات كل من اللياقة البدنية و اللياقة الحركية، نكتفي في الوقت الحالي بمشاطرة بعض الآراء على أن هناك:
- أربع (04) صفات تمثل اللياقة البدنية و أن العلاقة بين هذه الصفات ينتج منها عناصر فرعية متعددة من القدرة التي تمثل صفة القوة المتميزة بالسرعة.
- خمس (05) صفات تمثل اللياقة الحركية ترتبط بعضها البعض لتجعل الحركة مميزة بالأداء الجيد.
أ ـ صفات اللياقة البدنية: هي صفات مرتبطة بالسعة الوظيفية للجهاز الحركي مثل عمل العضلات و المفاصل، عمل القلب و الرئتين، الدورة الدموية إلخ… ، المتمثلة في التحمل، القوة، السرعة و المرونة.
- التحمل الدوري التنفسي: يعرف بمدى كفاءة الجهازين الدوري و التنفسي على إمداد العضلات العاملة بحاجتها من الوقود اللاّزم للاستمرار في عملها لفترات طويلة نسبيا.
ليس هناك فروق واضحة بين الأولاد و البنات في قياسات التحمل إلاّ أن بعد البلوغ يلاحظ تقدم واضح و مستمر للأولاد، السن المناسب لتطوير هذه الصفة هو ما بين (6) إلى غاية (17)سنة.
- القوة العضلية: تعرف على أنها قدرة العضلات في التغلب على مقاومات مختلفة، و تصنف إلى نوعين أساسين؛ القوة الثابتة و القوة المتحركة. توجد علاقة خطية بين زيادة العمر و تحسن القوة العضلية خلال مرحلتي الطفولة و المراهقة، و يحتفظ الأولاد بالتفوق على البنات بشكل عام، و تصبح هذه الفروق أكثر وضوح بعد البلوغ.
معدل نمو القوة العضلية يختلف حسب نوع القوة و ارتباطها بالصفات الأخرى مثل؛
- القوة القصوى؛ السن المناسب لتطويرها هو (16) سنة فما فوق.
- القوة الانفجارية؛ هناك فترتين تعتبر حساسة لتطوير هذه الصفة، الأولى ما بين (10)
إلى غاية (13) سنة، أما الثانية ما بين (15) إلى غاية (17) سنة فأكثر. ما بين الفترتين يكون استقرار في سرعة النمو.
- التحمل العضلي: يعرف بالقدرة على بذل مجهود عضلي و مواجهة التعب، تتطور هذه الصفة منذ سن مبكر و تختلف سرعة نموها حسب مراحل النمو، على سبيل المثال:
- من (09) إلى حوالي (11) سنة لا يوجد فرق واضح بين الذكور و الإناث في نتائج القياسات.
- من (14) إلى غاية (17) سنة فأكثر، تفوّق عند الإناث في فترة ما قبل المراهقة ثم يتميز النمو بالاستقرار، أما عند الذكور يزداد معدل النمو بعد المراهقة.
- السرعة: تعرف على أنها القدرة على أداء حركات متكرّرة من نوع واحد في أقصر زمن ممكن. توجد علاقة خطية بين زيادة العمر و تحسن السرعة، هذا خلال مرحلة الطفولة و المراهقة (من 7 إلى حوالي 17 سنة) إلاّ أنه يوجد استقرار في سرعة النمو أثناء مرحلة المراهقة (أي ما بين 11 و 14 سنة). يحقق الأولاد معدل تطور السرعة ضعف ما تحققه البنات.
- المرونة: تعني قدرة الطفل على تحريك مفاصل الجسم لأوسع مدى ممكن للحركة دون أن يحدث تمزّق أو آلام للعضلات أو الأربطة. يتأثر تطور هذه الصفة أكثر بمتغير النشاط الحركي على حساب متغير العمر، أي أن الطفل الذي يتدرب على الحركات للمرونة تنمو لديه هذه الصفة أكثر من الطفل أكبر منه في العمر و لا يتدرب عليها. و تفوق البنات على الأولاد في معظم قياسات المرونة. للمزيد من التدقيق حول مكونات اللياقة البدنية يرجى التوجه إلى المراجع الخاصة بفيزيولوجية الرياضة.
ب- صفات اللياقة الحركية: هي صفات مرتبطة بنظام التحكم و الضبط و كذلك الكفاءة في معالجة المعلومات المتمثلة في صفات سرعة رد الفعل، الدقة، التوازن، الرشاقة و التوافق.
- زمن رد الفعل (Temps de réaction): يعتبر الفترة الزمنية التي تمر بين حدوث المثير و بدء الاستجابة لهذا المثير. يتطور نمو هذه الصفة مع زيادة العمر حتى حوالي (20) سنة، ثم يبدأ بالاستقرار، لا يوجد فروق واضحة بين الأولاد و البنات لهذا النمو.
- الدقة (Précision): هي القدرة في السيطرة على الحركات الإرادية نحو شيء معيّن، هذه الصفة مرتبطة بصفات أخرى مثل الإدراك الإيقاعي (Rythme) و التمييز (Différenciation). يبدأ تطور نمو هذه الصفات منذ السن المبكر حوالي (06) سنوات إلى أواخر المراهقة بينما يلاحظ استقرار في سرعة النمو أثناء مرحلة المراهقة.
- التوازن (Equilibre): يعني المقدرة على الاحتفاظ بثبات الجسم عند اتخاذ أوضاع معينة (أي التوازن الثابت)، و الاحتفاظ بتوازن الجسم عند الحركة (أي التوازن الحركي). يبدأ تطور نمو هذه الصفة في سن مبكر جدا و يتحسن التوازن بشكل عام مع زيادة السن، لكن يكون التطور بشكل غير منتظم و يتأثر بطبيعة نمو البناء الجسمي (القياسات الجسمية).
يلاحظ كذلك بالنسبة للتوازن الثابت تفوق الأولاد على البنات في السن ما بين (5 و 7 سنوات) ثم تتفوّق البنات على الأولاد في السن ما بين (7 و 9 سنوات). أما بالنسبة للتوازن الحركي يتقارب مستوى الذكور و الإناث. و عموما يتوقف تطور نمو التوازن عند البنات في حوالي سن (12) بينما يستمر بالنسبة الأولاد.
- الرشاقة (Agilité): هي القدرة على تغيير أوضاع الجسم بسرعة و دقة. و تعتبر صفة ذات طبيعة مركبة حيث ترتبط ببعض الصفات الأخرى منها السرعة، القوة، التوازن و التوافق، لذلك فإن معدل نموّها لا يبدأ حتى سن التاسعة إلى غاية (17) سنة و يتميز بنمو بطيء و محدود مقارنة بالصفات الأخرى.
يتفوق الأولاد على البنات في معدل نمو الرشاقة، و يتوقف هذا التطور عند الإناث في سن (14)، كما يمكن تطويرها من خلال تنمية الصفات الأخرى المرتبطة بها و هي لا تحتاج إلى درجة كبيرة من التدريب للمحافظة عليها.
- التوافق (Coordination): يعرف على أنه القدرة على إدماج حركات من أنواع مختلفة في إطار واحد. يتطور نمو هذه الصفة خلال مرحلة الطفولة و المراهقة إلاّ أن سرعة النمو تختلف حسب اختلاف الجنس، أي أن النمو يتضاعف ثلاث مرات أثناء الفترة ما بين (7 إلى 12 سنة)، ثم يستمر بالتدرج إلى غاية (17) سنة عند الذكور بينما يتوقف عند الإناث في (12 أو 13) سنة. تجدر الإشارة أن الأولاد يتفوقون باستمرار على البنات.
ملاحظة هامة: لكل صفة من هذه الصفات المكوّنة للقدرات الحركية لها وقت معيّن يتزامن مع السن الذي يكون فيه الطفل مستعدا لتطويرها بصورة فعالة.
[1] محمد نور بن عبد الحفيظ سويد "منهج التربية النبوية للطفل" دار طيبة (ط 2) مكة المكرمة 1998.
الدكتور بوخراز رضوان- معهد التربية البدنية و الرياضية -جامعة الجزائربرجاء ذكر المصدر حتى تعم الفائدة :المكتبة الرياضية الشاملة : النمو الحركي عند الإنسان