المكتبة الرياضية الشاملة - http://www.sport.ta4a.us/
  • الرئيسية
  • البحث
  • اتصل بنا
  • التسجيل
    المكتبة الرياضية » علوم الصحة » التغذية » السمنة والنشاط البدنى

    السمنة والنشاط البدنى

    04 نوفمبر 2020, 14:27
    التغذية
    2 159
    0
    السمنة والنشاط البدنى

    .

    ملخص :

    تطرح هذه الدراسة عرضاً نقدياّ لدور النشاط البدني في مكافحة السمنة، مع التطرق لمعادلة اتزان الطاقة ومكونات مصروف الطاقة. كما تستعرض بإيجاز واقع السمنة والنشاط البدني في المجتمع السعودي، حيث تشير الدراسات المحلية إلى أن نسبة زيادة الوزن والبدانة (مؤشر كتلة الجسم يعادل 25 كجم/م2 أو أكثر) لدى السعوديين تتجاوز 50%. وينتشر الخمول البدني بين طبقات المجتمع، حيث تضع التقديرات نسبة الذين لا يمارسون النشاط البدني ( بما في ذلك الممارسين بشكل متقطع) في حدود 80% من أفراد المجتمع السعودي. ويظهر التحليل في هذه المقالة أن الفرد السعودي يشهد حالة اتزان طاقة إيجابي يقود حتماً إلى السمنة، في ظل انخفاض مستوى النشاط البدني وارتفاع معدل الطاقة المستهلكة الذي يتجاوز 3000 كيلوكالوري في اليوم. ولهذا فإن من الضروري زيادة مصروف الطاقة من خلال ممارسة النشاط البدني، لما لذلك من دور في مكافحة السمنة ورفع اللياقة القلبية التنفسية للفرد. أخيراً تختم المقالة ببعض الإرشادات التطبيقية حول برامج خفض الوزن من خلال النشاط البدني.

     

     

    مقـدمـة :

     

    شهدت المملكة العربية السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية تطورات حضارية كبيرة، تبعها تغيرات ملحوظة في مستوى المعيشة ونمط الحياة، حيث أنخفض مستوى النشاط البدني المعتاد لدى الفرد وتوافرت الأغذية ذات السعرات الحرارية العالية. كل ذلك قاد في النهاية إلى انتشار الأمراض المرتبطة بنقـص الحركـة (Hypokinetic diseases) فـي المجتمع ، مثل السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري وحالات ارتفاع ضغط الدم وغير ذلك من الأمراض (1-6). ولم تقتصر تبعات هذه التغيرات الحياتية على الكبار بل شملت أيضاً الأطفال والناشئة ، حيث أصبحت السمنة لديهم مرتفعة ومستويات النشاط البدني منخفضة وعوامل الخطورة المتعلقة بأمراض القلب موجودة لديهم (7-9).

     

    في هذه المقالة العلمية سوف أتطرق بإيجاز إلى السمنة كظاهرة، مع إيضاح لمعادلة أتزان الطاقة التي تحكم آلية حدوث السمنة، مدللاً بمثال حول أتزان الطاقتين المستهلكة والمصروفة لدى المجتمع السعودي. كما سأستعرض بصورة نقدية مختصرة دور النشاط البدني في مكافحة السمنة والتخلص منها، ثم أختم المقالة ببعض الإرشادات التطبيقية حول برامج خفض الوزن المعتمدة على النشاط البدني.

     

     

    السمنة - وباء عالمي :

     

    انتشر ت السمنة في العديد من الدول الصناعية، وهي الآن تزحف بقوة على البلدان التي في طور النمو. ذلك ما يشير إليه ويحذر منه التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية حول تفشي السمنة في دول العالم ، وأهمية مكافحتها(10). وتعد السمنة مصدر خطورة كبيرة للعديد من الأمراض المزمنة، حيث ترتبط بالعديد من أمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري والجهاز الهضمي والمفاصل، ولها تبعات نفسية واجتماعية(10،11). وتشير الدراسات الحديثة إلى أن موقع تراكم الشحوم في الجسم هو الأكثر ارتباطاً بالمخاطر الصحية الناتجة عن السمنة، حيث يبدو أن تراكم الشحوم حول الجذع والبطن وفي الأحشاء أكثر خطورة على الصحة من تراكمها في الفخذين والأرداف(12). ويعتقد أن أحد الأسباب المهمة المؤدية إلـى ذلك يكمن فـي أن الخلايا الشحمية (Fat cells) الموجودة في منطقة البطن لدى اللذين لديهم بدانة مفرطة تقوم بإطلاق دهونها في الأوعية الدموية المتجهة إلى الكبد مما يجعلها ترتبط بشكل أكبر بالمخاطر الصحية(13).

     

    وتعنى العديد من الدول المتقدمة صناعياً في رصد ومراقبة انتشار السمنة بين مواطنيها، وصياغة خطط وأهداف بغرض مكافحتها والحد منها. فعلى سبيل المثال، صدر في بداية عام 2000م في الولايات المتحدة الأمريكية (كعادته كل عشر سنوات) التقـريـر الذي يحدد الأهـداف الصحية للأمـة لعـام 2010م ، تحت مسمى " أناس أصحاء عام 2010م " (Healthy People 2010). ولقد جاءت الأهداف المرغوب تحقيقها في عام 2010م تحت عشرة مؤشرات صحية(14). ولقد حل في المرتبة الأولى زيادة النشاط البدني لأفراد المجتمع الأمريكي ثم ثانياً خفض نسبة السمنة لديهم. ولقد حددت الأهداف الصحية الوطنية الأمريكية في التقرير على خفض نسبة الخمول البدني (Inactivity) لدى البالغين بما لا يزيد عن 20% بحلول عام 2010م. كما حث التقرير إلى خفض نسبة السمنة إلى 15% بدلاً مما هي عليه الآن وهو 23%. أما في بريطانيا فتشير دراسة علمية إلى أن السمنة ازدادت بصورة ملحوظة في العقد الماضي لدى البريطانيين، على الرغم من أن معدل الطاقة المستهلكة (من الغذاء) قد أنخفض قليلاً مقارنة بما كان عليه قبل عقدين من الزمن(15). وتعزو الدراسة السبب إلى انخفاض معدل الطاقة المصروفة نتيجة لانخفاض مستوى النشاط البدني.

     

    أما هنا في المملكة العربية السعودية، فطبقاً لنتائج دراستين وطنيتين نشرت نتائجهما حديثاً (2،4) ، تتراوح نسبة الذين لديهم زيادة في الوزن (مؤشر كتلة الجسم 25 كجم/م2 فأكثر) بين البالغين من 40% إلى 56% ، كما هو موضح في الجدول رقم (1). أما نسبة الذين يعانون من السمنة (مؤشر كتلة الجسم 30 كجم/م2 فأكثر) فتبلغ من 13.1% إلى 26.6% . علماً بأن التقديرات المرتفعة هي الأقرب إلى الواقع نظراً لأن دراسة الحازمي(4) تضمنت أفراداً في الأعمار من 14 إلى 18 سنة ، والمعروف أن معايير مؤشر كتلة الجسم الخاصة بالكبار لا تنطبق على تلك الفئة العمرية التي هي دون عمر 18 سنة، مما أدى إلى التأثير على متوسطات تقديرات السمنة لدى تلك العينة.

     

    السمنة : العوامل الوراثية أم البيئية ؟

     

    تندرج معظم نظريات حدوث السمنة تحت ثلاث ركائز(16) ، هي: التأثير الوراثي، واستهلاك الطاقة المرتفع (زيادة استهلاك الطاقة عن طريق الغذاء)، وانخفاض مصروف الطاقة (انخفاض النشاط البدني). غير أن المساهمة النسبية للعوامل الثلاثة المشار إليها أعلاه ما تزال مثار اختلاف. والمعروف أن احتمالات حدوث السمنة لدى الطفل تبلغ 80% إذا كان كلا الأبوين بدينين، وتنخفض هذه النسبة إلى 40% إذا كان أحد الأبوين بديناً، أما احتمالات حدوث السمنة لدى الطفل إذا كان كلا الأبوين غير بدينين فلا تتجاوز 20%، ويبدو أن الأب البدين له تأثير أكبر على احتمالات حدوث السمنة لدى أبنائه مقارنة بالأم(17).

     

    والنتائج أعلاه لا تقطع بدور الوراثة الحصري على حدوث السمنة لدى الأبناء، بل تؤكد على تأثير كل من الوراثة ونمط المعيشة داخل الأسرة على احتمالات حدوث السمنة لدى الأبناء. غير أن البحوث التي تناولت التوائم المتشابهة والذين تم تبنيهم من قبل أباء آخرين غير آبائهم الأصليين تشير إلى التأثير الوراثي الواضح على حدوث السمنة من عدمها للأبناء بالتبني(18). وبذلك يمكن القول أن هناك أناس لديهم استعداد أكبر من غيرهم للإصابة بالسمنة، وبالتالي فعند توافر البيئة المناسبة لظهور هذا الاستعداد ( إما زيادة استهلاك الطاقة أو انخفاض النشاط البدني أو كلاهما) فإن السمنة تبدأ في الظهور. ولهذا فعلى الذين لديهم استعداد للإصابة بالسمنة اتخاذ كافة الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها من خلال الاعتدال في التغذية والانتظام في النشاط البدني.

     

    معادلة اتزان الطاقة : ما هو واقع الإنسان السعودي؟

     

    يعتمد اتزان كتلة الجسم على معادلة اتزان الطاقة، حيث يمثل أحد جانبي المعادلة الطاقة المستهلكة (الطاقة الحراريـة الناتجـة عن استهلاك الطعام)، بينما الجانب الآخـر مـن المعادلة يتمـثـل في الطاقة المصروفة. ويمكن تقسـيم الطاقة المصـروفة إلـى ثلاثـة جـوانب، هي : (1) مصروف الطاقة فـي الراحـة (Resting metabolic rate)، وهـو المصروف من الطاقة اللازم للوفاء باحتياج العمليات الحيوية الأساسية للجسم أثنـاء الراحة، مـثل عمليات التنفس وضخ الدم واتزان السوائل ونشاط الجهاز العصبي والجهاز العضلي، وهذا المصروف أعلى قليلا من مصروف الطاقة أثناء النوم. (2) مصروف الطاقة أثناء النشاط البدني أو الحركي، ويشمل ذلك الأنشطة البدنيـة الاعتـيادية اليـومية والأنشطة الرياضية. (3) مصروف الطاقة نتيجـة الجهد المبـذول مـن قبـل الجسم فـي هضم وامتصاص ونقل الطعام وتخزينـه (Thermal effect of food). وتعتمد الطاقة المصروفة نتيجة هضم الطعام وامتصاصه على مقدار الغذاء المستهلك ونوعيته، إلا أنها تقدر بما يعادل 7-10% من الطاقة الكلية المصروفة في اليوم(19). ويعتمد مصروف الطاقة في الراحة (RMR) على مقدار الكتلة العضلية في الجسم، ولذلك فبرامج خفض الوزن التي تقود إلى خفض الكتلة العضلية في الجسم بعد نهاية برنامج خفض الوزن تؤدي حتماً إلى انخفاض مصروف الطاقة في الراحة. وتبعاً لمعادلة هاريس وبنديكت المعدلة(20)، فإن شخصاً ذكراً عمره 40 سنة ووزنه 80 كجم وطوله 175 سم يمكن تقدير مصروف الطاقة في الراحة لديه بحوالي 1773 كيلوكالوري في اليوم (88.362 + (4.799× الطول بالسم) + ( 13.397 × الوزن بالكجم) - (5.677 × العمر بالسنوات).

     

    وتقود زيادة معدل النشاط البدني اليومي إلى زيادة مصروف الطاقة للفرد، وبالتالي التأثير بشكل أكبر على مصروف الطاقة الكلي في اليوم ، خاصة إذا كانت هذه الأنشطة البدنية ذات شدة ومدة كافيتين. ويصل معدل الطاقة المصروفة في الأنشطة البدنية والحركية اليومية لدى شخص متوسط النشاط إلى حوالي 50% من مصروف الطاقة في الراحة، وترتفع هذه النسبة لدى بعض الرياضيين لتبلغ أو تتجاوز 80% من مصروف الطاقة في الراحة. ولذا فإن العديد من الدراسات أشارت إلى أن الانتظام في ممارسة النشاط البدني يوفر حماية من الإصابة بالسمنة على المدى الطويل (21، 22).

     

    ويظهر لنا خلال العقدين الماضيين بأن استهلاك الطاقة لدى الفرد السعودي قد أصبح مرتفعاً مقارنة بما يصرفه من طاقة، حيث يشير التقرير النهائي لدراسة تقييم الحالة الغذائية لسكان المملكة العربية السعودية، والذي تم تمويله من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، أن معدل الطاقة المستهلكة (من الطعام والشراب) لدى السعوديين يبلغ 3083 كيلو كالورى في اليوم(23). وهذا يعد معدل مرتفع نسبياً، خاصة أنه معدل لكلا الجنسين من الذكور والإناث. وعلى الرغم من عدم وجود دراسات وطنية ترصد التغيرات الحاصلة في استهلاك الطاقة لدى السعوديين على مدى العقود الثلاثة الماضية، إلا أن ارتفاع مستوى المعيشة بشكل عام وتوافر الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية في العقدين الماضيين قاد بلا شك إلى زيادة معدلات الطاقة المستهلكة. وفي مقابل ذلك حدث انخفاض ملموس في حجم الأنشطة الاعتيادية اليومية التي تتطلب جهداً بدنياً، والتي يمكنها بالتالي من زيادة مصروف الطاقة الكلي للفرد. فمعظم الأعمال الآن تعد ذات طبيعة مكتبية، وحتى أعمال الزراعة والصناعة أصبحت تعتمد على الآلة. كما أضحى الطلاب والطالبات ينتقلون إلى مدارسهم بوسائل النقل الآلية، وازدادت وسائل الترفيه انتشاراً. كل ذلك مجتمعاً قاد إلى خفض معدل النشاط البدني اليومي لدى الفرد السعودي.

     

    وبناءً على معدل الطاقة المستهلكة من قبل الفرد السعودي في اليوم، وعلى افتراض أن 65% من هذه الطاقة يمثل مصروف الطاقة في الراحة ( أي 2004 كيلوكالوري)، وأن 10% من الطاقة الكلية المستهلكة يمثل الطاقة المصروفة لهضم الطعام وامتصاصه (أي 308 كيلوكالوري)، فيتبقى إذن ما مقداره 25% من أجمالي الطاقة الكلية المستهلكة (أي 771 كيلوكالوري)، ليوازي الطاقة المصروفة في الأنشطة البدنية اليومية (على أساس أن هناك أتزان في الطاقة. وعلى افتراض أن الأنشطة الاعتيادية اليومية (من جلوس وقراءة ولبس وخلع واستحمام وقيادة سيارة وعمل مكتبي وما شابه ذلك) تتطلب لشخص متوسط الحجم وغير نشط بدنياً ما مقداره في المتوسط 500 كيلوكالوري، فيتبقى إذن ما مقداره 271 كيلوكالوري يومياً يجب صرفها في أنشطة بدنية تتطلب طاقة مثل المشي أو صعود الدرج أو القيام بأعمال بدنية مجهدة إلى حد ما كالعمل في الحديقة مثلاً أو ممارسة أي من أنواع الرياضة البدنية. وكمثال فقط، فلتغطية الفرق بين الطاقة المستهلكة والمصروفة (271 كيلوكالوري المشار إليها سابقاً) يلزم شخص ذكر وزنه 75 كجم أن يمشي مشياً سريعاً 45 دقيقة في اليوم حتى يتجنب الإخلال بمعادلة الطاقة، وإلا فسيزيد وزنه على المدى الطويل بحوالي 8 كجم بعد مرور عام(آخذين في الحسبان التعويض الحاصل في مصروف الطاقة في الراحة(RMR) مع ازدياد الوزن كل شهر). ويمكن أيضاً اكتشاف الزيادة في الطاقة المستهلكة لدى الفرد السعودي بطريقة أخرى من خلال الرجوع إلى بيانات الطول والوزن لكل من الذكور والإناث السعوديين في دراسة تقييم الحالة الغذائية المشار إليها سابقاً (23)، ثم استخدام معادلة هاريس وبنديكت المعدلة(23) لتقدير مصروف الطاقة في الراحة، حيث يتضح أن مصروف الطاقة المستخرج من المعادلة (بناء على متوسطات الوزن والطول والعمر) أقل بكثير من معدل الأيض في الراحة المقدر للفرد السعودي على أساس 65 % من الطاقة الكلية، والبالغ 2004 كيلوكالوري (أي 65% من 3083 كيلوكالوري).

     

    إذن يتضح لنا أنه لكي يحدث اتزان في الطاقة لدى الفرد السعودي الذي يستهلك في المعدل ما يزيد على 3000 كيلوكالوري من الطاقة في اليوم، لا بد من صرف ما يعادل 45 دقيقة من النشاط البدني المتمثل في المشي السريع أو ما نحو ذلك من الأنشطة البدنية. لكن ذلك لا يحدث على الإطلاق لعموم الأفراد، حيث تؤكد دراسات مستويات النشاط البدني (المحدودة، مع الأسف الشديد) التي أجريت على قطاعات مختلفة من السعوديين(24-27)، إلى أن الخمول البدنـي منتشـراً جداً بين أفراد المجتمع، كما هو موضحاً في الجدول رقم (2). وعلى هذا يتبين أنه لمكافحة السمنة بين أفراد المجتمع السعودي بشكل عام، يجب زيادة معدل النشاط البدني اليومي للفرد، أو بالمقابل خفض استهلاك الطاقة بمعدل 9% تقريباً. والخيار الأول لا يقتصر على حرق سعرات إضافية فقط والحصول على اتزان الطاقة ، بل يتعدى ذلك ليساهم في رفع اللياقة البدنية واكتساب الفوائد الصحية الأخرى المصاحبة للنشاط البدني المنتظم، والتي وردت بوضوح تام في التقرير التاريخي الذي صدر عن كبير الأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية قبل عدة سنوات حول النشاط البدني والصحة(28).

     

    دور النشاط البدني في خفض الوزن - نظرة فاحصة ومختصرة :

     

     

    في مراجعة نقدية حديثة، فند روس وزملاؤه(29) المقولة التي مفادها أن دور النشاط البدني في التخلص من السمنة محدود. وأوضح أن هذا الاعتقاد مبني على استنتاجات خاطئة. ومن أهم دلائل بطلان هذا الاعتقاد، التي أشار إليها روس وزملاؤه، أن الدراسات التي تعاملت مع برامج خفض الوزن لدى البدناء استخدمت في الواقع أفراد ليسوا بدناء بالمعنى الصحيح، بل هم في الحقيقة زائدي الوزن( مؤشر كتلة الجسم 26.4 كجم/م2) مقارنة بالأفراد الذين تم إخضاعهم للحمية (مؤشر كتلة الجسم 34.9 كجم/م2) أو الحمية مع النشاط البدني (مؤشر كتلة الجسم 34.8 كجم/م2) و بالتالي لم يكن التأثير كبير في خفض الوزن لدى هؤلاء المفحوصين الذين خضعوا لبرنامج النشاط البدني. أما الدليل الثاني فهو أن الأنشطة البدنية التي استخدمت في برامج خفض الوزن لم تكن ذات شدة أو مدة كافية لإحداث مصروف طاقة ملحوظ.

     

    ولعل من أهم فوائد استخدام النشاط البدني لهو المحافظة على الكتلة العضلية لدى المنخرط في برنامج خفض الوزن(30،31). بل أن المحافظة على الوزن المفقود بعد مدة من خفض الوزن تبدو أكبر عندما يتم فقد الوزن نتيجة للحمية الغذائية والنشاط البدني معاً، حيث تشير دراسة علمية استعراضية فحصت برامج خفض الوزن كمياً (Meta-analysis) إلى أن برنامج حمية غذائية فقط لمدة 15 أسبوعاً يقود في المتوسط إلى خفض الوزن بمقدار 11 كجم ، لكن بعد مضي سنة من خفض الوزن يتم استعادة 40% من الوزن المفقود. بينما تشير الدراسات أيضا إلى أن برنامج حمية غذائية وجهد بدني معا لمدة 15 أسبوعا يقود في المتوسط إلى خفض الكمية نفسها من الوزن (11 كجم) ، لكن بعد مضي سـنة من خفض الـوزن يتم استعادة حوالي 20% فقط من الوزن المفقود (32). وطبقاً إلى نتائج دراسة حديثة تم نشرها في مدونات الطب الباطني الأمريكية (Annals of Internal Medicine)، تم خلالها ضبط العوامل المحيطة بالدراسة بشكل جيد، وقسم البدناء فيها بشكل عشوائي إلى أربع مجموعات أحدهما ضابطة وواحدة أتبعت حمية غذائية فقط وأخرى حمية غذائية ونشاط بدني ورابعة نشاط بدني فقط بدون فقدان في الوزن (تم تعويض ما يصرفونه من طاقة بطاقة مستهلكة إضافية)، أشارت نتائجها إلى أن كل من مجموعة الحمية ومجموعة النشاط البدني والحمية فقدوا ما معدله 7.5 كجم من الوزن في نهاية مدة الدراسة البالغ 12 أسبوعاً. لكن مجموعة النشاط البدني مع الحمية فقدوا في المتوسط 1.3 كجم شحوماً أكثر من مجموعة الحمية. كما وجدت الدراسة أن اللياقة البدنية تحسنت لدى مجموعتي النشاط البدني فقط.(33)

     

    والمعروف أن جميع برامج الأنشطة البدنية التي استخدمت شدة معتدلة أو مرتفعة بغرض خفض الوزن كانت فعالة في خفض نسبة الشحوم في الجسم، شريطة أن تكون مدتها كافية، حيث يبدو أن العبرة هي في حجم الطاقة المصروفة اكثر منه في الشدة نفسها (34).

     

    كمالا يبدو أن تقسيم مدة النشاط البدني في اليوم إلى جرعات متفرقة (15-20 دقيقة في كل مرة) يؤثر على خفض الوزن (34). بالإضافة إلى ما سبق، فان الجهد البدني وحده إذا كان ذا شدة ومدة كافيتين كفيل بإحداث مصروف طاقة مرتفعاً، مما يقود إلى خفض الوزن بشكل ملموس. ففي دراسة تم فيها إخضاع 197 شاباً بديناً من الذين دخلوا خدمة العلم في الجيش السنغافوري (35) لبرنامج من التدريبات البدنية العسكرية العنيفة لمدة 20 أسبوعا نتج عنها فقدان ما معدله 12.5 كجم للفرد الواحد، علما بأنه أتيح لهم مطلق الحرية في الأكل و الشرب. وعلى الرغم من أن معظم البدناء وخاصة متوسطي العمر وما فوق لن يمكن إخضاعهم لمثل هذا البرنامج التدريبي العنيف (ناهيك انهم لن يستمروا أصلا في مثل هذا البرنامج) إلا أن المقصود هنا هو التدليل على أن برامج النشاط البدني يكمن أن تقود إلى خفض ملحوظ في وزن الشحوم لدى البدناء.

     

     

    ولعلنا لا ننسى في ختام هذه المقالة المختصرة حول النشاط البدني والسمنة، أن نؤكد على أن الدور الحقيقي للنشاط البدني على المدى الطويل هو في الوقاية من السمنة، ففي وثيقة علمية صدرت حديثاً (36) تم خلالها مراجعة جميع الدلائل العلمية والشواهد حول علاقة السمنة بانخفاض مستوى النشاط البدني لدى الأفراد البالغين، خلصت إلى أن انخفاض مستوى النشاط البدني يعد أحد العوامل الرئيسة المهيأة للإصابة بالسمنة.

     

    إرشادات تطبيقية حول النشاط البدني وخفض الوزن :

     

    فيما يلي بعض الإرشادات العملية حول جوانب متفرقة من برامج خفض الوزن المعتمدة أو المتضمنة على نشاط بدني. جاءت صياغتها على هيئة سؤال وجواب إمعاناً في السهولة و الإيجاز:

     

    س1 : كم نسبة الوزن الذي يتوجب التخلص منه لخفض المخاطر الصحية للسمنة؟

     

    ج1 : على الرغم من أن الأمر يعتمد إلى حد كبير على معدل السمنة، إلا أن توصيات منظمة الصحة العالمية (10) وتقرير معهد الصحة الأمريكي (11) تشير إلى أن على الأفراد متوسطي السمنة (أي أن مؤشر كتلة الجسم في حدود 30-35 كجم/م2) خفض أوزانهم بمقدار يتراوح من 5 - 15% .

     

    س2 : كم الوزن المناسب فقده في الأسبوع ؟

     

    ج2 : طبقاً لتقرير معهد الصحة الأمريكي (11) فإن فقدان ما يتراوح من نصف كجم إلى كجم واحد في الأسبوع كفيل بجعل معظم ما يفقد من وزن هو من الشحوم، مما يحافظ على العضلات. والمعروف أن العضلات هي الكتلة الفعالة التي تدعم الجسم وتؤدي إلى صرف الطاقة والإبقاء إلى حد كبير على معدل الأيض في الراحة(أي مصروف الطاقة في الراحة - RMR) بدون انخفاض ملحوظ نتيجة لفقدان الوزن.

     

    س3 : ما هو مقدار الطاقة اللازم لخفض 0.5 - 1 كجم في الأسبوع؟

     

    ج3 : إن ذلك يعادل 500 - 1000 كيلوكالوري تقريباً في اليوم، ويمكن صرفها عن طريق كل من الحمية والنشاط البدني. علماً بأن ممارسة المشي السريع لمدة ساعة كل يوم لرجل وزنه 85 كجم تقود إلي صرف 400 كيلوكالوري يومياً.

     

     

    س4 : هل يمكن زيادة شدة النشاط البدني من أجل صرف طاقة أكبر؟

     

    ج4 : يجب أولاً البدء بالتدريج واتباع الإرشادات الصحية المرتبطة بممارسة النشاط البدني، ثم أننا لا ننصح البدناء بصورة عامة بممارسة النشاط البدني عند شدة مرتفعة، لأن في ذلك إجهاد على أجهزة الجسم وخاصة المفاصل، كما أنهم لن يتمكنوا من الاستمرار في ممارسة النشاط البدني بشدة مرتفعة بسبب الإجهاد الحاصل على الجسم مما يقود إلى تركهم النشاط البدني مبكراً ، وربما عدم تكرار الممارسة. لكن يمكنهم ممارسة النشاط البدني عند شدة تعادل 60% من ضربات القلب القصوى ومن ثم زيادتها بالتدريج لتصل بعد مدة إلى 70 أو 75% من ضربات القلب القصوى. ويمكن تحديد ضربات القلب القصوى من خلال طرح العمر بالسنوات من الرقم 220 ، ومن ثم ضرب الناتج في 60%.

    المكتبة الرياضية الشاملة على تيلجرام telegram

    برجاء ذكر المصدر حتى تعم الفائدة :المكتبة الرياضية الشاملة : السمنة والنشاط البدنى

    التعليقات
    الحد الأدنى لطول التعليق هو 255 حرفا. التعليقات خاضعة للإشراف
    رسالة الموقع
    نعتذر عزيزي مجموعة الـ الزوار غير مسموح لها باستخادم خاصية التعليقات .
    فضلاً قم بالتسجيل لتتمكن من التعليق على المواضيع

    المقالات التي قد تهمك أيضا: