هرمونات الذكورة خطر قاتل
هرمونات الذكورة خطر قاتل
إنتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تعاطي ما يسمى بالاسترويدات البنائية الأندروجينية (Anabolic Androgenic Steroids ) أو المركبات المشتقة من هورمونات الذكورة بين الشباب، الرياضيين بخاصة، اعتقادا منهم أنها تجلب القوة البدنية الهائلة والأجساد الرشيقة وتمنحهم القدرة التنافسية في المنافسات الرياضية. إلا أن الدراسات الطبية الحديثة أكدت أن هذه المركبات تتسبب بأضرار وأعراض جانبية خطيرة وبعدد من الأمراض بدءاً بحب الشباب وانتهاءً بسرطان الكبد.
إلتقت «الجريدة» الدكتور طارق أنيس، رئيس الجمعية العربية للصحة الجنسية وأستاذ أمراض الذكورة في طب قصر العيني في القاهرة، لتطلع منه على طبيعة هذه المركبات وأضرارها وفوائدها وكيفية علاج الذين يعتمدونها.
ما هي الاسترويدات البنائية الأندروجينية؟
الاسترويدات البنائية الأندروجينية اسم يطلق على المركبات المصنعة المشتقة من هورمونات الذكورة المسؤولة عن تكون الأعضاء التناسلية لدى الذكور ونموها، كذلك ظهور مظاهر الذكورة الثانوية واستمرارها في فترة البلوغ مثل غلظة الصوت ونمو شعر الجسم والذقن والعانة. كذلك التحكم في مستوى الرغبة الجنسية وحدوث الانتصاب وتكون الحيوانات المنوية. ولهورمونات الذكورة وظائف بنائية أيضاً تتمثل في بناء العضلات والعظام.
والاسترويدات البنائية الأندروجينية المخلقة يتم فيها تعديل جزئيات هورمون الذكورة بحيث تزداد آثارها البنائية علي آثارها الذكورية. والخصائص البنائية لهذه المركبات عظيمة الفائدة، لكن لم يتمّ التوصل حتى الآن إلى مركبات ذات صفات بنائية خالصة من دون الصفات الذكورية.
متى اكتشفت الاسترويدات البنائية الأندروجينية؟
يُعتقد أنها اكتُشفت عن طريق المصادفة في مطلع الثلاثينات من القرن الفائت بواسطة العلماء الألمان لكنها لم تحظ بالاهتمام الكافي إلاّ في عام 1954 عندما نشر العلماء الروس بحثاً يصف الخواص البنائية لهذه المركبات وتأثيرها على زيادة القدرة الرياضية في الرياضات التنافسية، ما أدى إلى سرعة انتشار استخدام هذه المركبات بين الرياضيين بغية مضاعفة الكتلة العضلية، خاصة في الرياضات التي تتطلب زيادة في حجم العضلات وقوتها مثل رفع الأثقال وكمال الأجسام والمصارعة، لكن سرعان ما امتد استخدام هذه المركبات لبعض الرياضات الأخرى كالسباحة وألعاب القوى والدراجات. وفي مطلع التسعينات توقف معظم شركات الدواء العالمية عن إنتاج هذه المركبات. هنا ظهر الخطر الجديد فبدأ استخدام الاسترويدات البنائية الأندروجينية للاستخدام الحيواني بواسطة الرياضيين، كما ظهرت صناعة كاملة للاسترويدات البنائية الزائفة. ومع تطور الحاسبات والماسحات الضوئية أمكن بسهولة بالغة تقليد أغلفة هذه المركبات وزجاجاتها.
هل يعني ذلك أن تناول الاسترويدات البنائية لا يؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية للرياضيين كما يعتقد البعض؟
أثبتت الأبحاث أن تناول هذه المركبات في كثير من الأحيان لا يؤدي إلى زيادة في الأداء الرياضي إلا إذا رفعت معدلات التدريب الرياضي من ثلاثة إلى ستة أضعاف، ما يؤدي إلي إحجام الرياضيين عن استخدام تلك المركبات بصرف النظر عن آثارها الجانبية الخطيرة، فيما أثبتت أبحاث أخرى أن تناول هورمونات الذكورة وحدها بواسطة الرياضيين يؤدي إلى زيادة حجم العضلات وقوتها وزيادة كتلة الجسم الخالية من الدهون. وتزداد هذه الآثار على نحو مضاعف إذا تزامن تناول تلك العقاقير مع التدريب الرياضي. ونظرا إلى الأضرار الصحية والاجتماعية الشديدة الخطورة، بدأ تحريم استخدام الاسترويدات البنائية خلال المسابقات الرياضية الدولية عام 1974 كما تم تجريم بيع هذه المركبات وتداولها في كثير من الدول، أسوة بالمخدرات منذ مطلع التسعينات. وفي يناير 2005 اعتبر مجرد حيازة هذه المركبات أو تناولها جريمة فيدرالية وفقاً للقانون الأميركي.
لكن تردد أن لهذه المركبات بعض الفوائد؟
هناك استخدامات وفوائد طبية محدودة جداً لهذه المركبات فاستخدامها الطبي يقتصر حالياً على علاج حالات الأنيميا الناتجة من فشل النخاع العظمي في تكوين خلايا الدم الحمراء وفي علاج الهزال الشديد الذي يصيب بعض مرضى الأورام الخبيثة والإيدز وتم استبدال الاسترويدات البنائية بالمركبات الدوائية الأخرى مثل استخدام هرمون النمو المخلق في علاج تأخر النمو الخلقي لدى الأناث والمعروف بـ «متلازمة ترنر». كذلك استخدم هورمون الذكورة في حالات تأخر البلوغ للذكور. لكن، وللأسف، لا يزال تسويق بعض مركبات الاسترويدات البنائية مستمراً في دول العالم الثالث حيث يتم تهريبها عبر مافيا عالمية في صورة مكملات غذائية.
ما مدى انتشار استخدام هذه المركبات في الوطن العربي؟
معظم الدراسات التي تحدد مدى انتشار ظاهرة تعاطي هذه المركبات أنجز في الولايات المتحدة. إنها دراسات محدودة تقتصر إلى حد بعيد على الرياضيين وطلاب الجامعات والمدارس الثانوية ولعلّ السرية التي تحاط بها هذه المركبات المحرقة في الوسط الرياضي هي وراء ندرة هذه الدراسات. لكن يمكن بسهولة رصد انتشار هذه الظاهرة في مصر حيث تذخر الصيدليات والصالات الرياضية بهذه العقاقير وتستوي في ذلك أندية رفع الأثقال في الساحات الرياضية الشعبية وصالات الجيم الخاصة بأبناء الأثرياء في غياب تام للرقابة الصحية أو الملاحقة القانونية. وتشير إحدى الدراسات الأميركية إلى أن 9،1 % من مرتادي الصالات الرياضية سبق لهم استخدام استبدال الاسترويدات البنائية وأن 5 % منهم يتناولونها. كما كشفت دراسة أخرى أن % من الرياضيين استخدموا هذه المركبات بشكل منتظم لأكثر من 5 سنوات ويصل عدد المتعاطين الحاليين في الولايات المتحدة الأميركية الى ثلاثة ملايين شخص.
ما السر الذي يجعل الرياضيين يستخدمون هذه المركبات رغم أضرارها؟
من أبرز الأسباب، الرغبة في زيادة القدرة التنافسية في المسابقات الرياضية. وهناك بعض الشباب في المجتمعات المتقدمة يتناولها رغبة لامتلاك أجساد قوية ورشيقة، كما يستخدمها بعض السيدات البدينات وبعض الأشخاص المدخنين الذين يعانون اضطرابات نفسية والأشخاص الذين تعرضوا صغاراً للاعتداء أو التحرش البدني أو الجنسي من أجل زيادة حجم أجسامهم وقوتها.
ماذا عن الأعراض الجانبية لهذه المركبات؟
هناك الكثير من الأعراض الجانبية التي تنجم عن تناول هذه المركبات، بدءاً بحب الشباب حتى سرطان الكبد. توضح الأبحاث أن أكثر من 85 % من متعاطي هذه المركبات يعانون أحد هذه الأعراض الجانبية أو معظمها وتشمل ضمور الخصيتين الذي يصيب 50 % من متناوليها وارتفاع ضغط الدم الذي يصيب 34 % منهم. كما يؤدي تناول هذه المركبات أحياناً إلى تدني القدرة على الإنجاب بالنسبة إلى الرجال إذ يتسبب بتدني هورمونات الغدة النخامية المسؤولة عن تحفيز الخصية لإنتاج الحيوانات المنوية، ما يفضي إلى العجز عن إنتاج الحيوانات المنوية وضمور الخصيتين. أما لدى النساء فيقل حجم الثدي وتقل دهون الجسم ويزداد نمو شعر الجسم ويزداد الصوت غلظة ويحدث اضطراب في الدورة الشهرية. وهناك آثار جانبية لتناول هذه المركبات على القلب والأوعية إذ ترفع ضغط الدم وتضخم عضلة القلب وتفضي إلى قصور في الشرايين التاجية وجلطات في القلب والمخ، كما يؤدي تناول هذه المركبات ـ خاصة التي تؤخذ عن طريق الفم ـ إلى تدهور وظائف الكبد ارتفاعاً لأنزيمات الكبد وحدوث الصفراء. تؤدي أيضاً وأيضاً إلى أورام الكبد الحميدة والخبيثة والالتهاب الكبدي (B ،C) والإيدز.
ما تأثير هذه المركبات على سلوك الإنسان؟
أثبت بعض الدراسات أن تعاطي هذه المركبات، خاصة الجرعات الكبيرة منها، يولّد التوتر والعنف، كالسرقة والشجار، لأن المتعاطين يتأثرون بوسائل الإعلام التي تربط بين تعاطي تلك المركبات والعنف. كما يرتبط تعاطي المركبات بالإحساس بالنرسيسية والزهو بالنفس وتعظيم الذات وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين.
كيف يمكن علاج سوء استخدام استبدال الاسترويدات البنائية؟
هناك محاولات باكرة للقضاء على سوء استخدام الاسترويدات البنائية تتمثل في الاختبارات العملية لاكتشاف التعاطي وتوعية الشباب إلى أضرارها وينبغي أن يكون العلاج عن طريق طبيب متخصص. العلاج التحفظي كاف في كثير من الأحيان يتوقف فيه المتعاطي عن استخدام تلك المركبات، أما في الحالات الحادة فيستخدم العلاج الدوائي من خلال بعض الأدوية والعقاقير التي تساعد على إعادة عمل الجهاز الهورموني مرة أخرى وتقليل الأعراض «الانسجامية» كمضادات الاكتئاب ومسكنات الصداع وأوجاع المفاصل وقد يستلزم الأمر بقاء المتعاطي في المستشفى تحت الملاحظة الطبية الفائقة.
برجاء ذكر المصدر حتى تعم الفائدة :المكتبة الرياضية الشاملة : هرمونات الذكورة خطر قاتل