القدوة الحسنة المُمَثَلة في معلم التربية البدنية
القدوة الحسنة المُمَثَلة في معلم التربية البدنية
يتحقق من التربية البدنية العديد من الأهداف والغايات التربوية والاجتماعية أكثر مما في سواها من التخصصات ومجالات العمل، وذلك يعود بالدرجة الأولى إلى الطبيعة الحركية للتربية البدنية.
وحيث إن الأنشطة الحركية هي أساس التربية البدنية فإنه ليس من المستغرب أن تكون تلك الأنشطة من ضمن معايير القدوة الحسنة فبمجرد أن يؤدي المعلم مهارة من المهارات أمام طلابه ثم يطلب منهم أن يفعلوا مثله فإنه بذلك الفعل يصبح قدوة ومثلاً لأولئك الطلاب ولو كان ذلك بمجرد تقليده في الأداء، وهذا كله في أساسه يؤسس للقدوة من جميع جوانبها الفعلية والقولية، ولعل معلم التربية البدنية ممن تتمثل فيه كل تلك الصفات.
غني عن القول أنه من واجب معلم التربية البدنية أن يكون قدوة حسنة لطلابه، ويظل السؤال : هل هناك قواعد مهنية محددة لتلك القدوة، وهل بإمكان المعلم أن يعزز ويزيد من فاعليته ومصداقيته كقدوة حسنة؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال فإنه من الواجب أن نعلم أن ديننا الإسلامي الحنيف قد وضع أسس القدوة الحسنة وصفاتها.
ويتمثل ذلك جليًا في سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وهو المعلم الأول والقدوة الحسنة والمثل الأعلى فصلى الله عليه وآله وسلم .
لقد اتفق الباحثون والخبراء في التربية البدنية أنه لا يمكن لأي معلم أن يوصف بالقدوة الحسنة ما لم تكن فيه هذه الصفات وهي:
1 - الكفاية المهنية:
وهي من أهم الصفات حيث يميل الطلاب( كما أشارت نتائج البحوث السلوكية ) إلى تقليد المعلم الذي يؤدي المهارة بشكل صحيح أكثر من تقليدهم وتمثلهم بالمعلم الأقل مهارة. كما أن أداء المعلم للمهارة بشكل صحيح يؤدي إلى تقليل أو انعدام الفرص لكي يتعلم الطالب المهارة بشكل خاطئ مما يوفر الجهد والوقت على الطالب فيميل إلى اتخاذ معلمه الذي يؤدي المهارة بشكل صحيح قدوة ومثلاً يحتذى به.
2 - التعزيز:
ويرتبط التعزيز مباشرة بالكفاية المهنية حيث لاحظ الباحثون أن قدرة المعلم على تعزيز وتدعيم تعلم طلابه واستمراره في ذلك يعد من المفاتيح الرئيسة للتدريس الفعال. وبالطبع فإن هناك العديد من أشكال وأساليب التعزيز، فمنها اللفظي ومنها الفعلي، ويعتمد ذلك على وضع الطالب فبعض الطلاب يعجبه الإطراء العلني أمام زملائه، بينما بعض الطلاب يحبذ أن يكون له دور في عملية إعداد الفصل الدراسي أو الإحماء أو القيادة داخل الفصل كنوع من التعزيز والتدعيم (للاستزادة حول هذا الجانب، انظر إلى موضوع التغذية الراجعة في الفصل الثالث).
3 - أوجه الشبه:
دلت نتائج الأبحاث على أن تعلم الطلاب يزداد وفي زمن أقصر كلما رأى الطلاب أن هناك أوجهًا للشبه بينهم وبين معلمهم، كما أن المعلم يستطيع توظيف ذلك في تعليم المهارات وذلك بأن يصقل – مثلاً – مهارات مجموعة صغيرة من الطلاب في كل فصل ممن تتوافر فيهم صفات الاستعداد والدافعية ثم يضع كل واحد منهم على رأس مجموعة من الطلاب ليقوم بنقل وتعليم وتدريب طلاب المجموعة على ما سبق له أن تعلمه وتدرب عليه .
4 - المصداقية:
يمكننا تعريف مصداقية المعلم بتوافق أفعاله مع أقواله وتدل الأبحاث السلوكية على أن المعلم الذي ينطبق عليه التعريف بصفة طلابه بالمصداقية أكثر من المعلم الذي يقول ولا يفعل. من الثابت أن الطلاب يثقون فيما يقوله ويفعله المعلم وبالتالي يفترض في المعلم أن يقدم لهم القدوة والمثل الشخصي خصوصًا فيما يتعلق باللياقة البدنية والصحة الشخصية والعدالة والأمانة والمسئولية. ويؤكد الباحثون على أن الأمر لا يحتمل أكثر من كون المعلم أمينًا أو غير أمين، صادقًا أو غير صادق ، لائقًا أو غير لائق من وجهة نظر الطلاب.
وهناك بعض النقاط التي يستطيع من خلالها المعلم أن تكون له مصداقية وبالتالي يكون معلمًا قدوة لطلابه ومن تلك النقاط:
أ - أن يحترم وعوده دائمًا.
ب - أن يعترف بخطئه وتقصيره.
ج - أن يحرص على الأخلاق الإسلامية الحميدة في كل الأوقات.
د - أن يؤدي واجباته بكل اقتدار ومسئولية في كل الأوقات.
والاستمرارية على الالتزام بالخلق الإسلامي في كل الأوقات مطلوبة؛ إذ لا يصح أن يمارس خلقًا لفترة من الزمن ثم يقلع عنه لفترة أخرى ثم يعود إليه بعد ذلك، بل إن الاستمرارية هي المحك الرئيس في كل ذلك.
5 - المسؤولية:
اتفق الباحثون على أن هناك أربعة مستويات لتعليم المسؤولية في التربية البدنية وهي: الاحترام، والمشاركة، وتوجيه الذات، والعناية، ولقد وجد الباحثون في إطار سعيهم نحو معرفة تأثير المشاركة في الأنشطة البدنية والرياضية على تطور الأطفال الاجتماعي والنفسي أن مفهوم الذات والإدراك المحيط بالقدرات البدنية يمكن أن تكون مؤشرات ومتنبئات بسلوك الإنجاز والدافعية والتأثير الإيجابي. وهناك العديد من الطرق والأساليب التي يمكن للمعلم أن يسلكها لكي تتحقق فيه صفة المسؤولية وكذلك يستطيع المعلم أن يعلِّم الطالب المسؤولية عن طريق حثه على المشاركة في الأنشطة بمختلف أنواعها وأن يبذل الطالب جهداً في مشاركته، وكذلك عن طريق حث الطالب على التفكير بأن يحث ذاته عوضًا عن التأثر بآراء الزملاء، وبذلك تصبح مشاركة الطالب مشاركة إيجابية ومسؤولة، ودائمًا نحث على أن المسؤولية تبدأ من الذات وتصبح جزءً من التفكير المنهجي لدى الطلاب حتى تؤثر في النهاية في سلوك الطالب القولي والفعلي.
6 - الحماس:
يفقد الطلاب حماسهم ودافعيتهم نحو المشاركة لعدة أسباب من أهمها الملل والضجر من التكرار الذي يمارسه بعض معلمي التربية البدنية من الذين يصرون على استخدام أسلوب تعلم واحد مصبوب في قوالب من الحركة المقيدة للطلاب، وهذا بكل تأكيد لا يجعل من المعلم قدوة حسنة يحتذى بها فينفر الطلاب ويتجهون إلى المشاركة في الأنشطة الترويحية المصاحبة للدرس ويتهربون من المشاركة الفعالة في موضوع الدرس الرئيس.
وعندما يكون المعلم متحمسًا للتغيير وإدخال أساليب تعلم جديدة ومبتكرة فإن الطلاب يشاركونه ذلك الحماس وهذا مما يعزز دور المعلم كقدوة حيث يسعى الطلاب جاهدين إلى تقليد معلمهم والتشبه به.
7 - الاحترام:
يتوجب على معلم التربية البدنية أن يُقدّم نفسه في إطار واضح ومحدد من الاحترام لذاته وتخصصه وطبيعة عمله ليس فقط بين الطلاب ولكن أيضًا بين أقرانه من المعلمين ومجتمعه التربوي ومجتمعه المحيط. والاحترام ليس سلعة تشترى أو قميصًا يرتدى بل يكتسب من خلال منهجية واضحة في القول والعمل.
إن تعاون معلم التربية البدنية مع إدارة المدرسة وقيامه ببعض الأعمال الإضافية مثل الأعمال الإدارية والتنظيمية وخدمة مجتمع المدرسة بما لا يتعارض مع عمله الأساس؛ لأمر يشكر عليه ولكن يجب ألا تتجاوز تلك الأعمال حدًا معينًا ينتفي معه احترام المعلم لذاته وتخصصه وطبيعة عمله، فإن فعل ذلك يجعل الطلاب وبكل تأكيد لا يحترمون معلماً فقد هو أولاً احترامه لذاته وتخصصه، وبإظهاره لذلك الاحترام فإنه يقدم مساحة نفسية آمنة لطلابه ولذاته ولمن حوله. وهنا يتوجب عليه مواجهة الطلاب الذين لا يظهرون احترامًا لذاتهم أو للآخرين حيث إن الطلاب دائمًا يحتاجون إلى من يرشدهم في هذه المواقف.
ومن احترام المعلم لطلابه أن يعرف أسماءهم ويناديهم بها، فذلك أدعى لزيادة دافعية التعلم لديهم والتعلق بمعلمهم، وحري بمعلم التربية البدنية أن يعلم أن الاحترام طريق ذو اتجاهين أحدهما المعلم والآخر هو الطالب، فإذا كان المعلم يعتقد أنه من الاحترام أن يعرف الطالب اسم معلمه، فإن المعلم كذلك مطالب بأن يعرف اسم طالبه ويناديه به وهذا يفضي إلى رسالة مهمة للطالب مفادها أن معلمك يعرف اسمك إذًا هو يهتم بك ومن هنا تنبت غراس القدوة الحسنة.
8 - العناية والاهتمام:
ينبغي التركيز على العلاقات الأخوية والحميمة والصداقة داخل إطار العملية التدريسية. بمعنى أن المنافسة يجب أن تفضي إلى فتح المجال لإقامة العلاقات الاجتماعية والروابط الفردية والشخصية بين الطلاب، وأن انشغالهم بالمنافسة القائمة على فكرة الانتصار وهزيمة الآخر لا ينسيهم مثل هذه القيم.
وفي هذا الصدد فإن عددًا من المهتمين والباحثين يعتقدون أن حصص التربية البدنية التي تقوم على الصافرة أو التوجيه اللفظي من قبل المعلم وليس على القدوة والتطبيق قد يوجد إشكالية كبيرة لمحتوى وطرق تنفيذ تلك الحصص.
وكمثال فإن تعلم المهارات الحركية الأساسية يتم عن طريق تقليد نموذج أداء أو تطبيق حركي مع توجيه صوتي ولكن الفهم والمعرفة بهما يأتي عن طريق الاكتشاف مما يعني تفاوتًا بين الطلاب. وعليه فإن البناء المعرفي للمهارات لا يتم بالصافرة أو النداء ولكن يجب تبني استراتيجية السؤال والجواب بين المعلم والطالب وصولاً إلى معرفة وفهم واستيعاب المهارة طبقًا لمستويات المجال المعرفي حسب تصنيف ” بلوم ” الذي يضم ستة مستويات هي : التذكر والفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم .
إن كل ما سبق يؤكد على حقيقة هامة مفادها أن الاتصال اللفظي المباشر بين المعلم وكل طالب على حده ثم بين المعلم وكل الطلاب معًا يؤدي إلى تأهيل صفة العناية والاهتمام من المعلم بطلابه مما يجعل منه قدوة حسنة ومثلاً أعلى لجميع الطلاب.
وبعد، فإن على المعلمين إذا أرادوا أن يكونوا قدوة حسنة وصالحة أن يقدموا نماذج سلوكية وإيجابية من خلال تصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم، وليعلموا أن الطلاب يراقبون ويشاهدون ويحكمون، كما أن الطلاب يتعلمون من معلميهم وهم بحاجة ماسة إلى القدوة الحسنة والنموذج الصحيح ليقتدوا به في ظل ما تعانيه مجتمعاتنا من تغيرات متتابعة في بنيتها الأساسية وتناقص في دور الأسرة التربوي وتزايد مدخلات القنوات الفضائية وشبكات المعلومات مثل الإنترنت خصوصًا أن تلك المدخلات لا تخضع لغربلة وتصفية حقيقية فمنها ما يتعلق بالمجتمع ومنها ما يتعلق بالتغيرات المتسارعة في تقنية التعامل مع تلك المدخلات.
برجاء ذكر المصدر حتى تعم الفائدة :المكتبة الرياضية الشاملة : القدوة الحسنة المُمَثَلة في معلم التربية البدنية