Sport.Ta4a.Us المكتبة الرياضية > علوم الحركة > الأداء والتحكم الحركي


الأداء والتحكم الحركي


25 يونيو 2024. الكاتب : Tamer El-Dawoody

الأداء والتحكم الحركي


مـقـدمـة:  من الصعب جدا ترتيب المواضيع المتعلقة بالأداء عند الإنسان ذلك لأنها ترتبط بعضها البعض و كل موضوع خاضع لبعض المفاهيم بالموضوع الآخر، لهذا السبب فضلنا قبل معالجة موضوع التعلم الحركي الذي يعتبر من أهم المواضيع بالنسبة لأستاذ التربية البدنية و الرياضية أن نتطرق إلى بعض النقاط المتعلقة بالتحكم الحركي لأن هدف التعلم هو الأداء الجيد و التحكم في مختلف الحركات التي تكوّن المهارة الحركية أو الرياضية.


 

قبل البدء في هذا الموضوع الهام يستلزم علينا مراجعة وجيزة لما درسناه سابقا، و من أهم ما تطرقنا إليه هو كيفية معالجة الإنسان للمثيرات و المعلومات التي يستقبلها و الآليات المتداخلة لإنتاج الفعل الحركي، الشكل الآتي يبيّن لنا أهم العمليات:

 من خلال الشكل تبدو العلاقة ما بين الآليات الثلاث تسير في اتجاه واحد و أن الارتباط الحاصل بينهم بسيط في تنظيمه، أي بعد استقبال المثير و إدراك ما يحمله من معلومات تأتي مرحلة انتقاء الاستجابة المناسبة و تطبيقها لتظهر على شكل حركات منسجمة و مضبوطة، لكن الأمر عكس ذلك و ليس بهذه السهولة لأن السؤال المطروح يكمن في كيفية اختيار الاستجابة الصحيحة من بين العدد الكبير من المعلومات المخزنة في الذاكرة، و كيفية تطبيقها بكل دقة و انسجام مع الظروف البيئية. ذلك يمكن فهمه من خلال هذا الموضوع.


 

1- المفاهيم الأساسية:


1- 1- مفهوم الأداء الحركي (Performance): هو إنجاز يمكن قياسه على أساس نتيجة رقمية يتحصل عليها الفرد في مهمة حركية معينة، النتائج المحصل عليها تعكس الاستعدادات النفسية- الحركية و الجسدية للفرد و تمثل كذلك الكفاءة التي يتميّز  بها الإنسان في نشاط حركي معيّن.


       


و يرتبط الأداء بالقدرات البدنية و الحركية لذلك يعتبر بمثابة تغيّر وقتي في السلوك، كما يمكن حدوثه عن طريق التعلم أو بدونه و منه ليس كل تغيير في السلوك يعتبر تعلما، لكن لا يمكن ملاحظة التعلم إلاّ من خلال الأداء. ذلك يدل أن الأداء الحركي يمثل الجزء الظاهري لعمليات الاكتساب (أي التعلم) إلاّ إذا تميّز نسبيا بالاستقرار نتيجة الممارسة أو التدريب، و ليس تغيير مؤقت للسلوك نتيجة النمو أو التعب أو حتى بسبب بعض العقاقير.


  و تعتبر المهارة  الحركية المستوى الرفيع للأداء و هي بمثابة أداء حركي متميّزة بالسرعة و الدقة لتحقيق النتيجة المستهدفة، كذلك القدرة على تكرار الأداء تحت ظروف متغيرة متوقعة أو غير متوقعة، و هنا يكمن دور التحكم الحركي الذي يسمى كذلك التوافق الحركي.

 

1- 2- مفهوم التحكم الحركي (Contrôle moteur): هي العمليات التي تنظم و توجه عمل الجهاز الحركي و على رأسها عمل العضلات بما ينسجم و الاقتصاد بالجهد و سهولة الأداء. و يقوم الجهاز العصبي بترتيب هذه العمليات من خلال ربط الاتصالات المباشرة ما بين الأنظمة التي تشارك في إنتاج الحركة، بمعنى آخر التنسيق ما بين الآليات الثلاث لمعالجة المعلومات. ويتمكن الجهاز العصبي التحكم بصورة أكثر دقة في الأداء الحركي من خلال التعلم والتدريب، وينقسم هذا التنظيم أو التحكم إلى ثلاثة أنواع[1]  وهي:


·      التحكم في تحريك الجسم أو جزء منه في الفضاء و هي علاقة مكانية.


·      التحكم في إيقاع الحركة و هي علاقة زمنية.


·      التحكم في إنتاج القوة العضلية اللازمة لأداء الحركة و يعتبر عامل متعلق بالضغط.


  لمعرفة و فهم كيفية تحكم الجهاز العصبي في هذه العمليات توجّه المهتمون بهذا الموضوع إلى بعض العلوم للاستفادة منها لوضع نظرياتهم. و من العلوم التي شاركت في تفسير التحكم الحركي نجد القبطانية (Cybernétique) و هو علم التوجه و ضبط الاتصال يدرس عمليات الرقابة و الاتصال عند الكائنات الحية و الآلات. و يحتوي النظام القبطاني آليات تحدد الغاية المستهدفة التي يمكن تحقيقها من خلال نظام الذاكرة و نظام التغذية الرجعية.

 

- نظام الذاكرة يمثل البرنامج المسجل مسبقا لتحديد الغاية المستهدفة (البرامج الحركية).


- نظام التغذية الرجعية يمثل آليات تعمل بطرق دقيقة على:


  أ ـ قياس القيمة المنجزة لوحدات التنفيذ من خلال جهاز الاستقبال (التقاط المعلومات)؛


  ب ـ مقارنة القيمة المنجزة مع قيمة مرجعية التي تمثل الغاية المستهدفة؛


  ج ـ إصدار معلومات رجعية إلى محلل يكشف كل اختلاف ما بين القيمتين؛


  د ـ يعمل المحلل كآلية ضبط لتقويم مدى الفارق ثم يرسل إشارات لتعديل القيمة المنجزة وفقا للقيمة المرجعية.


       

2- البرامج الحركية:  وصل العديد من الباحثين إلى إيجاد تفسير أدق لعملية التحكم الحركي في إطار نظري جديد اشتمل كل من مفهوم البرنامج الحركي والتغذية الرجعية، وأكّد البعض أن هناك برنامج حركي عام يشمل العديد من المهارات المتقاربة والمتشابهة، تندرج فيه متغيرات خاضعة للظروف البيئية يتحكم فيها الجهاز العصبي من خلال المعلومات العائدة من مختلف أعضاء الحس على شكل تغذية رجعية. وشبه شميد (Schmidt) البرنامج الحركي بمثابة تسجيل صوتي على الشريط، و بيّن أن الجزء المسجل يطابق البرنامج الحركي العام أما قراءة الشريط تختلف حسب نوع الآلة المستعملة و الظروف المحيطة كذلك حسب رغبة المستمع، بمعنى آخر أن نفس التسجيل و هو ثابت غير متغيّر يمكن سمعه بأشكال متعددة أي صوت عالي أو منخفض، نبرة حادة أو خفيضة، سرعة مرتفعة أو بطيئة. مما تقدم يمكن القول أن بداية الاستجابة الحركية تبدأ من خلال تطبيق برنامج مسجل و مخزن في الذاكرة، و بعد ظرف زمني قصير جدا يقدّر بالميلي ثانية تعود المعلومات الخاصة بالأداء الجاري إلى الجهاز العصبي الذي يضبط و يعدّل سلسلة الحركات حسب الهدف المسطر. لكن كيف تتم عملية الضبط و التعديل، و ما هي الأنظمة التي تسيّر هذه العمليات؟ هذا ما يمكن معرفته من خلال بعض النماذج المقترحة من طرف العلماء.


3- النماذج الأساسية لعملية التحكم الحركي:


كل النماذج المستعملة حاليا تعتمد على الشكل الممثل للحلقة المغلقة في تحديد و تشخيص السلوك الحركي. عند انتقاء الاستجابة المناسبة تقدّم الأوامر من الجهاز العصبي إلى أعضاء التنفيذ (الجهاز الحركي)، الحركة في بدايتها تكون على النمط المفتوح أو الحلقة المفتوحة بمعنى آخر أن الاختيار الأوّلي للبرنامج الحركي ثابت و لا يمكن تعديله حتى و إن لم يناسب الموقف، هذا النمط لا يدوم سوى لظرف زمني قصير جدا (لا يتجاوز حوالي 200 ميلي ثانية) يتضمن بعض الحركات التي لا يمكن إجراء تغيير أو تعديل في سيرها مثل ارتماء حارس المرمى عند ضربة جزاء.


 

بالنسبة للحركات التي تفوق زمن رد الفعل حيث يمكن الاستفادة من المعلومات العائدة من الأحاسيس الذاتية التي تخبر على شكل الأداء أو المعلومات القادمة من البيئة الخارجية من خلال المستقبلات الخارجية، يتمكن الجهاز العصبي بعد تحليل هذه المعلومات من تعديل الحركة و التحكم في سيرها حسب الهدف المحدد و الظروف البيئية.


يتم تكوين مخطط الاستجابات الحركية من خلال المحاولات الأولية و معرفة نتائج الأداء في ظروف معينة و هو عبارة عن برامج حركية عامة تشمل العديد من الحركات المتقاربة و المتشابهة في الشكل. عند اختيار استجابة معينة يتم انتقاءها بفضل مخطط الاستدعاء الذي يحدد شكل الاستجابة هذا المخطط يهدف إلى الانطلاق في تطبيق الاستجابة الحركية و تنظيم بداية الحركة، و هو هام جدا بالنسبة للحركات القاذفة (Mouvements Balistiques) التي تعتبر حركة سريعة و قصيرة تدوم أقل من ربع ثانية، و هي كليا تحت رقابة البرنامج الحركي.


أما الحركة المراقبة (Mouvements Contrôlés) يمكن قيادتها و تصحيحها خلال النتفيذ اعتمادا على المعلومات العائدة و ذلك بفضل مخطط التمييز الذي يحدد صورة الأحاسيس المرتقبة من الأداء الجاري و يقارن المعلومات الرجعية مع المعلومات التي اكتسبها الإنسان في الماضي و تم تخزينها في ذاكرته.


مما تقدم يتضح لنا أن الأداء الحركي يبدأ بتنشيط برنامج حركي الذي يشمل حركات عامة في شكلها، يتم انتقاؤه حسب الغرض المستهدف في حالة ما، كذلك الظروف الأولية لتلك الحالة. أما بالنسبة للحركات البطيئة و الطويلة (أو الحركات المراقبة) يتم التحكم في أدائها بفضل التغذية الرجعية، أي المعلومات العائدة إلى الجهاز العصبي من مختلف أعضاء الحس و ذلك لمقارنتها مع النموذج المرجعي. هذا الأخير يتم تكوينه من خلال عملية التعلم باستعمال مبدأ التكرار (Répétition)، هذا المبدأ الضروري للتعلم الصحيح لا يعتبر هدف في حد ذاته و إنما وسيلة لاكتشاف أخطاء المحاولات الأولى و تقليصها لتتطابق مع الأداء الصحيح و ذلك من خلال المعرفة الجيدة لنتائج الأداء الأولي (Connaissance des Résultats). و هنا يكمن دور المربي لتزويد المتعلم بتغذية رجعية خارجية و تأسيس النموذج الصحيح في ذاكرته.  لكن كيف تتم هذه العملية، وما هي الطرق المستعملة لاكتساب مهارات جديدة؟  ذلك ما يمكن معرفته من خلال موضوع التعلم الحركي.



[1]محمد حسن علاوي و أبو العلا أحمد عبد الفتاح   فيزيولوجيا التدريب الرياضي  دار الفكر العربي  القاهرة 1984.



العودة إلى الصفحة السابقة - المكتبة الرياضية -  www.sport.ta4a.us