Sport.Ta4a.Us المكتبة الرياضية > علوم الحركة > الفعل الحركى


الفعل الحركى


10 ديسمبر 2023. الكاتب : Tamer El-Dawoody

الفعل الحركي

مقدمة:لمعرفة طبيعة الحركة عند الإنسان و كيفية حدوثها و التحكم في أدائها يقودنا إلى الاعتبار على أنها نشاط  حسي ـ حركي، أي أن الإنسان يستجيب لمثيرات قجة المعلومات من المواضيع الهامة لتفسير سلوك الإنسان و ما يحدث بداخله، إذ تعتبر نظريات المعرفيين أن ما بين المثير والاستجابة هناك جهاز كان يطلق عليه اسم العلبة السوداءوهذا عكس ما جاءت به نظريات السلوكية لاعتبارها أنه يحصل ارتباط  مباشر بين المثير و الاستجابة و الذي يؤدي إلى ما يطلق عليه اسم العادة[1].
 
والحقيقة أن الإنسان ليس مجرد آلة يعمل بطريقة تلقائية، بل هو مركب من أحاسيس و عواطف و ذاكرة و تفكير، فالمثيرات التي يستقبلها الفرد يمكن أن تؤثر على سلوكه بطريقة إيجابية أو سلبية و هذا حسب نوعية المثير، كيفية استقباله و معالجته و خاصة قدرة الفرد الإدراكية و المعرفية. فإذا كانت المثيرات و المعلومات الواردة كثيرة و متنوعة مثل ما يحدث في بعض المهارات الرياضية تصبح في هذه الحالة عملية معالجتها ذات أهمية بالغة لإصدار الاستجابات الصحيحة. 


المعلومات الواردة تستقبل عن طريق أعضاء الحس، ثم تمر عبر سلسلة من العمليات حيث يتم معالجتها داخل الجهاز العصبي ثم تصدر الاستجابة على شكل سلوك ظاهري، هذا بصفة عامة كما هو مبيّن في الشكل التالي:


الشكل رقم (1) : نموذج مبسط لمعالجة المعلومات


 

تستقبل المثيرات الواردة من البيئة الخارجية أو من داخل الجسم بواسطة أعضاء الحس المختلفة التي تعمل كأجهزة التقاط المعلومات، أما الاستجابة التي تهمنا في المجال الرياضي هي استجابة العضلات الهيكلية التي من خلالها تتم الحركة و تشترك في تنفيذ الاستجابات الحركية.                                                                                                                       


 

مـعـالـجـة الـمـعـلـومـات:


تختلف الآراء حول كيفية عمل الجهاز العصبي لتحليل و معالجة المعلومات، لكن بفضل تطوّر بعض العلوم و منها القبطانية (Cybernétique) و النظريات الإعلامية (Théorie de l’information) تمكن العلماء معرفة عمل الجهاز العصبي على أنه يشبه قناة اتصال منفردة ذات سعة محدودة، النموذج المستعمل في الوقت الحالي لتفسير هذه العمليات هو نموذج ذات ثلاث مراحل كما هو موضح في الشكل التالي:


 
الشكل رقم (2): توضيح المراحل الثلاث لمعالجة المعلومات (يحي النقيب 1989، ص298)


        من خلال هذا النموذج يمكن القول أن بعد استقبال المثيرات و التقاط المعلومات اللازمة أثناء موقف معين، تأتي بعده مرحلة معالجة هذه المعلومات التي تنقسم إلى ثلاث مراحل. المرحلة الأولى تتضمن تشخيص المثير و إدراكه و معرفة ما يحمله من معلومات، في المرحلة الثانية يتم اختيار الاستجابة المناسبة و أخذ القرار لتنفيذها، أما في المرحلة الثالثة تكون فيها البرمجة و التنظيم و الضبط لإصدار الاستجابة الفعلية على شكل سلوك ملحوظ. هذه العمليات تعتبر من أهم العناصر في عملية الأداء أو الفعل الحركي كذلك من المراحل الأساسية لفهم و تفسير عملية التعلم الحركي.


 

        على سبيل المثال يمكن للاعب أثناء أداء مهارة رياضية كالتسديد في الألعاب الجماعية أن يضيع محاولته لأسباب ثلاثة:


·    يمكن أنه لم يدرك الموقف جيدا لعدم توقع حركة المدافع الذي تصدى لتسديده، هذه الحالة ترتبط بمرحلة تشخيص المثير.


·    ربما أدرك الموقف و لكنه لم يكن بإمكانه أخذ القرار في الوقت المناسب مما أدى إلى ضياع الفرصة، هذا الخطأ مرتبط بمرحلة انتقاء الاستجابة.


·    و أخيرا ربما أدرك جيدا الموقف و اختار القرار المناسب في وقته لكنه لا يملك القدرات الكافية لأداء المهارة و إصدار الاستجابة الصحيحة، و هذا يتعلق بالمرحلة الثالثة ألا و هي برمجة الاستجابة.                                     


في هذه الحالة لا ينبغي على المدرب أو أستاذ التربية البدنية أن يهتم بالنتيجة و نوعية الأداء فقط، بل يحاول تحليل كل مرحلة لعملية معالجة المعلومات لدى اللاعب، ثم يبحث عن النقص و يحلله تحليلا علميا ثم بعد ذلك يقدم الحلول المناسبة.


 

الهدف من دراسة هذا الموضوع و التحليل الدقيق لمراحل معالجة المعلومات يقودنا إلى معرفة و فهم كيفية حدوث الفعل الحركي و العوامل المؤثرة في الأداء و التحكم الحركي، كذلك السبل الناجعة لاكتساب مهارات جديدة. لذلك سوف نفصل كل مرحلة من هذه المراحل.


 

1- مرحلة تشخيص المثير (العملية الإدراكية):


يعيش الإنسان في وسط يتميز بتعدد و تنوّع المثيرات، و السؤال المطروح؛ هل يستجيب الفرد لكل المثيرات التي يلتقطها؟ بطبيعة الحال غير ممكن لأن ضمن العدد الكبير من المثيرات التي يستقبلها الإنسان فهو يصنفها بشكل يسمح له اختيار البعض منها تبعا لأهميتها و المعنى التي تحمله بينما الأخرى تهمل. على سبيل المثال، عندما يكون شخصا وسط مجموعة من الأفراد و هم يتحدثون ربما تجده لا يبالي بما يتكلمون و لا يتأثر حتى و لو أنه كان يسمع أصواتهم لأن هذا لا يهمه، أي أنه كان يستقبل مثيرات سمعية و لكن لا ينتبه لها لإهماله إياها، بينما إذا خاضوا في حديث يهمه أو أحدهم ناداه باسمه حينئذ تراه يستجيب بسرعة. في هذه الحالة الشخص الذي كان يستقبل المثيرات السمعية لم يكن يدركها لأنه لم يشخصها جيدا، إذا المرحلة الأولى لمعالجة المعلومات تعتبر عملية إدراكية.


 

 و الإدراك مرتبط بدرجة أولى بمدى الانتباه، و الأمثلة عن دور الانتباه كثيرة مما يدل أنه عامل أساسي لإدراك موقف أو شيء معين، و أن الإحساس بالشيء لا يعني بالضرورة إدراكه ذلك أنه يشترط على الإنسان أن ينتبه لأحاسيسه ليدرك ما تستقبله من معلومات.


 

1- 1- أهمية الانتباه: (Attention)


يعرف الانتباه بأنه العملية التي تسبق الإدراك و تمهد له، و هو عبارة عن تجمع الفاعلية النفسية حول ظاهرة من الظواهر لتجعلها تامة الوضوح. و للانتباه درجات مختلفة، أولها الانتباه المشتت و أعلاها التأمل العميق، و بين هذين المستويين هناك مستويات أخرى تختلف باختلاف سن الشخص و درجة ثقافته.


 

و يعتبر التركيز (Concentration) من أعلى درجات الانتباه، و هو تجمع الأحاسيس حول موضوع معين و تثبيتها عليه، فعندما يركز الشخص انتباهه على شيء ما فإن ذلك يعني أنه أصبح ينتبه أكثر لهذا الشيء دون سواه و بالتالي يدركه و يميّز ما يحمله من معلومات. و التركيز يتطلب جهدا كبيرا و إرادة قوية و هذا حسب متطلبات الموقف، و كلما ازداد تعقيد المثيرات ازدادت صعوبة معالجتها مثل في بعض المواقف الرياضية.


 

و يعرّف يحي كاضم النقيب الانتباه (1990، ص283.) على أنه: " عملية ذهنية يقوم خلالها الفرد بتوجيه وعيه و الاحتفاظ به تجاه المثيرات التي تلتقطها أعضاء الحس المختلفة. و يتأثر الانتباه بمستوى يقظة الفرد و مقدرته على معالجة المعلومات القادمة إليه ". من خلال هذا التعريف نحتفظ ببعض المفاهيم الأساسية و هي توجيه الوعي، مستوى اليقظة، و كذلك المقدرة على معالجة المعلومات.


عادة ما ينتبه المرء للشيء الذي يرغبه، و يعتبر توجيه الوعي من العمليات الذهنية التي تخضع لمستوى دافعية الشخص و رغبته في الشيء الذي ينتبه إليه. هذا يدل أن الرغبة عامل أساسي لتحقيق انتباه جيّد، كما يمكن للمدرس أو المدرب رفع درجة الرّغبة عند الفرد بجعل التدريب ممتعا ينسجم و رغباته و بالتالي توجيه وعيه و الانتباه إلى النقاط الأساسية. و يشير كيلر (Keller, j.)[2] أن دافعية الفرد و رغبته في شيء معين مرتبط بالمعاني و المفاهيم التي يحتويه هذا الشيء و هذا حسب ما تعرّف عليه الإنسان في ماضيه كذلك الشعور الذي يصاحب الإحساس بهذا الشيء.   


 
        العامل الثاني هو مستوى اليقظة (Vigilance) إذ تعتبر هذه الأخيرة حالة ذهنية بمستويات متعددة ممتدة من النوم إلى الوعي، و ذلك بمثابة وعي الفرد بالمثيرات التي يستقبلها، كما يمكن للإنسان أن يكون نائما و هو في حالة يقظة أي عكس النوم العميق، و مثال ذلك هو حالة الأم في نومها و طفلها الصغير نائم بالغرفة المجاورة، فإذا حدث صوت معين خارج البيت ربما لا تنتبه إليه و لا تستيقظ لكن إذا صدر الصوت من الغرفة التي ينام فيها ابنها حينئذ تستيقظ بسرعة لترى احتياجاته.


 

و يتأثر الانتباه بمستوى اليقظة أي أن الحالات التي يكون فيها الإنسان يقظا هي التي تتميز بتركيز الانتباه و رصد أهم المعلومات المتعلقة بتلك الحالات. لكن لا يمكن للإنسان أن يبقى لمدة طويلة في مستوى عالي من اليقظة خاصة إذا كان المثير يحمل الكثير من المعلومات المعقدة مما يؤدي إلى ظهور التعب النفسي قبل التعب البدني، كذلك من الصعب جدا أن يركز الفرد انتباهه لشيئين مختلفين في وقت واحد باعتبار أن التركيز و اليقظة كونهما قدرة محدودة.


 

وأكدت الدراسات أن العلاقة بين مستوى اليقظة و الأداء الحركي هي على الشكل الذي حدّدته فرضية "اليوـUـ" المقلوبة كما هو مبيّن على الشكل التالي:


 

حسب هذه الفرضية التي تعتبر أفضل وجهات النظر في هذا الموضوع في الوقت الحالي، أن ن2نوعية الأداء الحركي تزداد مع ارتفاع مستوى اليقظة إلى حدّ معين (كما هو موضح على الشكل في النقطة "م") ثم تتدهور مع استمرار ارتفاع مستوى اليقظة مما يؤثر سلبا على مستوى الأداء.                                                                                          
كما أكدت التجارب أنه لا يمكن التركيز على شيئين مختلفين في وقت واحد ما لم يكن أحدهما يؤدى بطريقة آلية (Automatisme) و الأمثلة في هذا الاتجاه كثيرة و متعددة مثل المبتدأ في السياقة الذي يريد أن يستمع إلى الراديو فلا يمكن له أن يركز في الاستماع  و هو منشغل في قيادة سيارته، مثال آخر عندما نريد التحدث مع شخص و هو مشغول في أمر ما بالتالي تراه لا يدرك جيدا ما نقول لأنه يركز انتباهه في الأمر الذي يشغله.


 

و الحل لهذا العجز في معالجة المعلومات التي يستقبلها الإنسان هو تطوير نظام التشغيل الأوتوماتيكي و هذا من خلال التحكم الآلي لبعض المهارات و بالتالي لا يكون التركيز في أدائها ضروري و لو أنها تتطلب حد أدنى من الانتباه، مما يسمح التركيز لأشياء أخرى. هذا النظام يتطور بعملية التعلم و التمرن أو التدريب، على سبيل المثال نرى الطفل المبتدأ في مهارة تنطيط الكرة عندئذ يكون انتباهه مركز على هذا النشاط و يوجه أحاسيسه نحو الكرة ( أي ينظر باستمرار إلى الكرة لمراقبتها) و منه لا يمكن أن ينتبه في نفس الوقت إلى اللعب و تحركات زملائه و المدافعين، هذا يدل كما ذكرنا سابقا أنه لا يمكن التركيز لشيئين مختلفين في وقت واحد، لكن بفضل التعلم الصحيح و التدريب تصبح مهارة التنطيط أوتوماتيكية لا تحتاج إلى تركيز الانتباه و بالتالي يمكنه أن يركز على اللعب. في هذه الحالة تصبح المعلومات التي تخبر الطفل عن الحركة التي يؤديها (أي مراقبة الكرة) واردة من المستقبلات الذاتية و تسمى الأحاسيس الذاتية (Sensations Proprioceptives) بعدما كانت واردة من المستقبلات الخارجية المتمثلة في الأحاسيس الخارجية (Sensations Extéroceptives) أي حاسة البصر في هذه الحالة.


 

و من جهة أخرى أو الحل الثاني لمشكل تعدّد و تنوّع المثيرات و المعلومات المحيطة بالإنسان هو مستوى قدرته على اختيار المعلومات الأساسية و الهامة لموقف معيّن و إهمال الغير مناسبة منها، هذا ما يسمى الانتباه الانتقائي (Attention Sélective) لكن كيف تتم عملية انتقاء المعلومات من بين العدد الهائل من المثيرات و المعلومات المحيطة بالإنسان، بطبيعة الحال هذه العملية لا تأتي صدفة بل هي مرتبطة بعاملين هامين؛ أولهما يتمثل في خبرة الفرد و معرفته لذلك الشيء، و الثاني تمكّنه للحصول على المعلومات المناسبة لانتقاء الأهم منها. بالنسبة للعامل الأول فهو مرتبط بذاكرة الإنسان (Mémoire)، أما الثاني يتمثل في كيفية التقاط المعلومات (Prise d’information).


1- 2- دور الذاكرة في معالجة المعلومات:


إن الحياة كلها عبارة عن جملة من المشاعر و الذكريات، و الإنسان منذ ولادته و هو يستوعب و يخزن في ذهنه العديد من الأحاسيس و المعارف و المعلومات، هذا التخزين يتم داخل جهاز معقد اسمه الذاكرة، و التذكر هو عملية استدعاء إحدى الخبرات السابقة أي أنه يعتمد على ما سبق للشخص أن أدركه و تعلّمه و احتفظ به في ذهنه. و مما لا شك فيه أن المعلومات التي تدخل جهاز معالجة المعلومات للإنسان لا بد و أن يتم الاحتفاظ بها و خزنها للاستفادة منها في المستقبل، لكن كيف يمكن تفسير أن بعض المعلومات يمكن الاحتفاظ بها لفترة طويلة من الزمن و البعض الآخر سوى ثوان معدودة فقط، هذا ما أدى الكثير من الباحثين الاهتمام بهذا الموضوع.


 

من النظريات السائدة في هذا الشأن تنص أن المعلومات تحتفظ في ذاكرة الإنسان على ثلاثة مستويات مصنفة على أساس طول المدة الزمنية للاحتفاظ بالمعلومات و هي كما يلي:


 

1- 2- 1- الذاكرة الحسية (Mémoire sensorielle): تستقبل الأعضاء الحسية المعلومات و يحفظ بها في هذا المستوى من الذاكرة خلال وقت قصير جدا دون تغيير شفرتها (بضع ثواني)، و بعدها تفقد المعلومات بسرعة خاصة لما تضاف إليها معلومات أخرى. هذا المستوى للذاكرة مهم جدا خاصة في مراحل التعلم حيث لا يمكن للفرد تحسين أدائه إلا من خلال مقارنته بالنموذج الصحيح، و يمكن الحصول على هذه المقارنة بفضل المعرفة الصحيحة للنتائج المحققة (Connaissance du résultat)، كذلك معرفة نتائج الأداء (Connaissance de la performance).


 

و عندما يكتسب الشخص المعلومات المناسبة للأداء الصحيح و يصبح قادرا على إهمال العديد من المثيرات و المعلومات الغير الهامة، يجب عليه في مرحلة أخرى الاحتفاظ في ذاكرته بهذا النموذج الصحيح، و لكن بما أن مدة خزن المعلومات في الذاكرة الحسية ضئيلة جدا و لا يمكن الاحتفاظ بها لمدة أطول، تمر إذن المعلومات إلى مستويات أخرى.


 

1- 2- 2- الذاكرة القصيرة الأمد (Mémoire à court terme): هي نظام تتحول فيه المعلومات الملتقطة من مجرد أحاسيس إلى وحدات إعلامية (Unités informationnelles) على شكل رموز أو شفرات. و يشير كيلرKeller, j.  (1991، ص 323) أن الذاكرة القصيرة الأمد تعتبر جهاز لتخزين مؤقت للمعلومات لمدة قصيرة نسبيا ريثما تجرّد على شكل رموز، و في حالة غياب تركيز الانتباه تفقد المعلومات بعد قضاء هذه المدة القصيرة و هي تقدر بحوالي (60) ثانية.


 

و لتخزين المعلومات لفترة أطول يجب إعطائها شفرة معينة و تجريدها على شكل رموز، على سبيل المثال: ليتمكن المرء حفظ رقم الهاتف بسهولة ينبغي عليه أن يعطيه معنى خاص و يجرده على شكل شفرة أي إذا كان الرقم يناسب شيء معين يعرفه مسبقا يمكن بذلك و بسهولة كبيرة حفظه و تخزينه في الذاكرة لو ربطه بذلك الشيء، مثلا يمكن ربط رقم الهاتف (05-07-62) بيوم الاستقلال، فمن السهل جدا تذكر تاريخ يوم الاستقلال الموافق ليوم الخامس من جويلية عام اثنان و ستون هذا بطبيعة الحال يناسب رقم الهاتف و من تم يمكن حفظه بسهولة، و بفضل هذا التجريد يمكن للإنسان الاحتفاظ بالمعلومات في ذاكرته إلى مدى طويل.


 

1- 2- 3- الذاكرة الطويلة الأمد (Mémoire à long terme): في المجال الحركي يعتبر الانتباه المستمر و التكرار في التمرين على الحركة من العوامل التي تؤدي إلى حفظ المعلومات في الذاكرة إلى مدى طويل حيث يمكن الاحتفاظ بها بشكل دائم و هذا هو الهدف الرئيسي لعملية التعلم الحركي، إذ يمكن للشخص بعد مرور سنين عديدة أداء مهارة حركية سبق و أن تعلمها.


 

و للجانب المعرفي دورا بالغ الأهمية في عملية تخزين المعلومات الخاصة بالمهارات الحركية حيث من خلال معرفتها و تخزينها على شكل شفرات أو رموز يمكن بسهولة تذكرها في المستقبل و إدراك كيفية أدائها، على سبيل المثال إعطاء أسماء تقنية لبعض المهارات الرياضية مما يدل على شكل معين في الأداء أو الفعل الحركي، كذلك وصف بعض الخطط الدفاعية أو الهجومية في الألعاب الجماعية من خلال رموز تدل على أداء حركي منسق بين مجموعة من اللاعبين مثل خطة (4-3-3) أو (4-4-2) في كرة القدم، خطة (5-1) أو (4-2) في كرة اليد إلخ


 

و تمر عملية التذكر بثلاث مراحل هي:


- مرحلة الاكتساب أو التعلم (Acquisition) و هي بمثابة عملية التسجيل في الذاكرة، هذه المرحلة يكون فيها دور الذاكرة الحسية بالغ الأهمية للتعرف على الأشياء و ربطها بعضها البعض.


 

- مرحلة الاحتفاظ (Rétention) و هي بمثابة عملية تخزين المعلومات و تجريدها على شكل رموز، و ترتبط هذه المرحلة بالذاكرة القصيرة الأمد التي تعتبر من العمليات الهامة جدا في التعلم الحركي حيث ينبغي أن تكون المعلومات صحيحة لتجريدها كما هي وإن كانت عكس ذلك فإن التعلم يكون خطأ و من الصعب جدا تغييره. 


 

- مرحلة الاسترجاع (Récupération) و هي بمثابة عملية استدعاء المعلومات من الذاكرة و استعمالها في الوقت المناسب، هذه المرحلة مرتبطة بالذاكرة الطويلة الأمد.


 

هذه المراحل الثلاث لتسجيل المعلومات في الذاكرة مرتبطة بالمدة الزمنية من جهة، و من جهة أخرى تتأثر عملية التذكر بالظروف التي يتم فيها اكتساب المعلومات، بمعنى آخر أن الفرد يستدعي المعلومات التي اكتسبها حسب الظروف و الكيفية التي تم تسجيلها و تعلمها، و يسمى ذلك أثر الظروف (Effet de contexte). على سبيل المثال إذا تم تعلم بعض المهارات في ظروف معينة بالتالي تطبيقها يكون سليم إذا توفرت نفس الظروف، أما إذا اختلفت هذه الأخيرة يصبح التطبيق (أي عملية الاستدعاء) صعبا نوعا ما. لذلك ينبغي تعلم المهارات في ظروف مشابهة لتلك التي يتم تطبيقها.


 

مما تقدم يتبين لنا أن التركيز و الذاكرة عاملين أساسيين لمعالجة المعلومات، لكن تبقى المثيرات و المعلومات المحيطة بالإنسان عديدة و متنوعة خاصة في بعض المواقف الرياضية، لذلك يجب الحد منها و تقليلها لمعالجة أفضل. و من أجل ذلك نجد دور عملية انتقاء المعلومات و كيفية الالتقاط الأهم منها.


 

1- 3- التقاط المعلومات (Prise d’information):


تستقبل أعضاء الحس المختلفة العديد من المثيرات و المعلومات المتنوعة إلاّ أن الإنسان لا يمكنه أن يدركها كلها و لكن يمكنه الالتقاط البعض منها و التركيز عليها لأهميتها. و ترتبط عملية التقاط المعلومات بمفهومين أساسيين هما الكشف (Détection) والتمييز (Discrimination)، مفهوم الكشف يعني الحد الذي يتمكن الشخص من خلاله أن يدرك الشيء أي القدرة على انتقاء المعلومة المفيدة من بين العدد الكبير من المعلومات، مثل كشف حالة الجسم، تلميحات الخصم، موقع الكرة، حدود الميدان إلخ ، لما يتم اكتشاف المثير المناسب للموقف ينبغي بعد ذلك تقدير شدّته و هذا من خلال عملية التمييز، مفهوم التمييز يدل على القدرة لإدراك كل التغيرات في خصائص المثير مثل المتغيرات المتعلقة بالزمن و المكان كالتغيرات في إيقاع الحركة، مسار الحركة أو الأشياء إلخ ، و بالتالي يمكن للشخص أن يدرك المميزات المتعلقة بالسرعة، المسارات، الثقل، الحجم و خصائص أخرى متعددة التي يمكن أن تغيّر من خصائص المثير.


 

و تعتبر عملية التقاط المعلومات و الانتقاء الأهم منها من العمليات الهامة خاصة في المراحل الأولى من التعلم الحركي حيث يجد المتعلم نفسه وسط ظروف تتميز بتعدد و تنوع المثيرات فيحاول أن ينتبه إليها كليا ولكنه لا يدرك شيء. في هذه الحالة يكون دور الأستاذ مهم جدا لمساعدة المتعلم في توجيه أحاسيسه نحو المعلومات الأساسية و يعلمه كيفية التقاطها. فإذا تعلق الأمر بالمستقبلات الخارجية و على رأسها السمع و البصر، ينبغي أن تكون المعلومات واضحة حتى يتمكن المتعلم أن يلتقطها بسهولة و يستوعبها مثل الحالات التي يتم فيها الشرح و العرض عند تقديم نموذج معيّن يجب أن تكون مناسبة لذلك النموذج، كما يستلزم على الأستاذ أن يبيّن بوضوح النقاط الهامة التي يوجه إليها المتعلم انتباهه ليتمكن إهمال المثيرات الأخرى الغير مناسبة، و لما يحاول الطفل تطبيق المهارة يجب أن تكون قدر الإمكان تحت نفس الظروف التي هي في الواقع.


 

أما إذا تعلق الأمر بالمستقبلات الذاتية يجب اختيار وضعيات  تعليمية مناسبة تسمح للمتعلم اكتشاف المهارة تلقائيا و بطريقة نشيطة مع احترام مبدأ التدرج من السهل إلى الصعب، و نقصد بالطريقة النشيطة محاولة دفع المتعلم إلى اكتشاف المعلومات المناسبة بأحاسيسه الذاتية و عدم تقييده بقوى أخرى غير مناسبة ادعاءا بالمساعدة أو التدعيم مثل الأستاذ الذي يمسك بيد التلميذ لتوجيهه في بعض الحركات المتعلقة بالأداء الفني.


 

إذا كانت عملية انتقاء المعلومات الوسيلة الضرورية للحد من تعدد و تنوع المثيرات و التقليل من كمية المعلومات التي يتم معالجتها إلاّ أن في بعض المهارات نجد عامل السرعة في معالجة المعلومة و أخذ القرار المناسب من المتطلبات الأساسية، هذا ما يؤثر أحيانا في عملية الإدراك لذلك يجب تطوير عند الرياضي صفة هامة تسمى التوقع الحركي (Anticipation).


 

1- 4- التوقع الحركي:


هي عملية ذهنية لتجاوز مشكلة الوقت في معالجة المعلومات. علما أن في بعض المهارات الرياضية تكون سرعة رد الفعل لمثير ما غير كافية مهما كانت شدتها و هذا راجع لنقص الوقت اللازم لمعالجة المعلومات المناسبة (أي انتقاء الاستجابة اللازمة و برمجتها و ذلك بعد تشخيص المثير المستقبل من قبل أعضاء الحس). و بما أن المعلومات التي يحملها المثير سريعة جدا فلا يمكن للإنسان أن يدركها لو لم يحضّر نفسه لاستقبالها قبل ظهورها، فإذا تنبّأ الرياضي لظهور المثير و تمكن من التعرف لبعض خصائصه لتمكن من إدراكه وأخذ القرار المناسب للاستجابة الصحيحة مثل التصدي للسحق في كرة الطائرة.


لكن كيف يمكن للإنسان التنبؤ للمثير قبل ظهوره؟ بطبيعة الحال هذا لا يأتي صدفة بل من خلال التعلم الصحيح و التجربة الفعالة يتمكن الفرد من إدراك بعض التلميحات التي تسبق ظهور المثير و تحليل بعض المعطيات المفيدة لتوقع الاستجابة المناسبة في الوقت المحدد لظهور المثير. على سبيل المثال عند الإرسال في كرة الطائرة يتهيأ المدافع لاستقبال الكرة، فمن خلال حركات اللاعب الذي يستعد لتنفيذ الإرسال يمكنه في مرحلة أولى التعرف على كيفية إرسال الكرة ثم عند التنفيذ يمكنه في مرحلة ثانية تقدير المسار الذي تتجه فيه الكرة و بالتالي يأخذ القرار مباشرة و لا ينتظر حتى أن تصل إليه الكرة، لولا هذا التوقع الحركي لكانت الاستجابة متأخرة.


 

في المراحل الأولى من التعلم يجب إعطاء الوقت الكافي للمتعلم من أجل إدراك جيد للموقف و ذلك بتقليص من كمية المعلومات التي يتم معالجتها، هذا من خلال التحكم في متغيرات السرعة و المسار. على سبيل المثال عند الإرسال يبدأ المتعلم باستقبال كرات عالية مما يقلل من سرعتها و بالتالي يكون الوقت كافي لأخذ القرار المناسب، ثم نزيد من سرعة الإرسال تدريجيا. هذا يدخل ضمن المتغيرات في السرعة، أما بالنسبة للمسار يمكن في البداية إبلاغ المتعلم موقع سقوط الكرة (يمين ـ يسار ـ أمام ـ خلف) ليتهيأ للاستجابة الصحيحة.


 

2- مرحلة انتقاء الاستجابة (عملية أخذ القرار):


بعد الإحساس بالمثيرات المختلفة و إدراك المعلومات المناسبة التي تحملها في حالة معينة، يجب على الإنسان في مرحلة ثانية أن يستجيب لتلك المثيرات. و السؤال المطروح، كيف يمكن تفسير حالة أشخاص تكون استجابتهم مختلفة لمثير واحد؟ الجواب ببساطة أنه لم يكن لديهم نفس القرار في انتقاء الاستجابة اللازمة، أي أن هناك عملية تسبق الاستجابة الفعلية و هي انتقاء استجابة معينة خاضعة لبعض العوامل، بمعنى آخر أن هناك عملية أخذ القرار ثم تليها مباشرة عملية تطبيق هذا القرار ليظهر على شكل سلوك حركي. على سبيل المثال: عند رؤية كلب كبير، ربما تكون استجابة أحد الأشخاص لهذا المثير هو الخوف و بالتالي قراره يكمن في الابتعاد عنه، هذا القرار يظهر في تطبيقه على شكل سلوك حركي معيّن كتغيير الطريق، الرجوع إلى الوراء أو الهروب من الموقف. بينما تكون استجابة شخص آخر عكس ذلك و منه يكون قراره هو الاقتراب من ذلك المثير. هذه الاستجابات المختلفة راجعة للقدرة الإدراكية المعرفية للفرد.


 

إن القرار الذي يتخذه المرء في موقف ما (حالة نشاط رياضي مثلا) مرتبط بمدى معرفته لذلك الموقف و يتأثر بالحالة النفسية التي يكون فيها الشخص. القدرات المعرفية لها دور كبير في عملية انتقاء الاستجابة ذلك بأنه لا يمكن أخذ قرار فعال في وقته المحدد إذا لم تتوفر لدى الإنسان معرفة صحيحة لذلك المثير، و هنا يكمن دور أستاذ التربية البدنية أو المدرب لتطوير الجانب المعرفي للمتعلم في نشاط معين.


الحالة النفسية لها كذلك تأثير مباشر في عملية أخذ القرار، نجد في هذا الجانب عاملين هامين؛ أولهما يتمثل في الحالة الانفعالية للشخص (Etat Emotionnel) التي تؤثر في انتقاء الاستجابة سواء بصفة إيجابية و بالتالي يكون القرار صحيح، أو بصفة سلبية و منه يكون القرار غير صحيح. أما العامل الثاني يتمثل في هيئة الشخص (Attitude du sujet) التي تتضمن نوعان يرتبطان بزمن رد الفعل لمثير معين، هناك ما يسمى بالهيئة الاندفاعية (Attitude Impulsive) و يتميز هذا النوع بالتسرع في أخذ القرار فلا تكون معالجة جيّدة للمعلومات القادمة و منه تكون أخطاء كثيرة في أخذ القرار. النوع الثاني يسمى الهيئة المتبصّرة (Attitude Réfléchie) و يتميز بالتماطل في أخذ القرار لمحاولته تحليل و معالجة كل المعلومات القادمة حتى تفوته تلك التي لها دلالة للموقف و بالتالي تكون انتقاء الاستجابة الصحيحة في وقت متأخر. على أي حال لا ينبغي أن يتسرع المرء في الاستجابة و لا أن يماطل، بمعنى آخر أن تكون الاستجابة صحيحة و فعالة لما يكون زمن رد الفعل في وقته المناسب حسب متطلبات النشاط.           


 

تختلف النشاطات الرياضية باختلاف متطلباتها البيئية، و تعتبر مرحلة انتقاء الاستجابة من المراحل الصعبة في معالجة المعلومات لبعض المواقف الرياضية خاصة أثناء الموجهات بين المتنافسين حيث لا يعرف الواحد نوايا خصمه إلاّ من خلال بعض التلميحات. و في هذه الحالات تكون فعالية انتقاء الاستجابة مرتبط بالعلاقة الموجودة بين التوقع و زمن رد الفعل، و تتضمن هذه العلاقة أربع (4) حالات مختلفة. على سبيل المثال عند محاولة هجوم في كرة اليد يمكن للمدافع أن يستجيب حسب التلميحات التي تصدر من طرف المهاجم (أي توقع حركي) و استعداده للتصدي للهجوم (أي هيئته) و منه تكون استجابة المدافع على النحو التالي:


- استجابة في وقت غير مناسب بتوقع خاطئ، في هذه الحالة تكون الاستجابة غير صحيحة.


- استجابة في وقت غير مناسب بتوقع صحيح، في هذه الحالة تكون الاستجابة غير فعالة.


- استجابة في الوقت المناسب بتوقع خاطئ، في هذه الحالة كذلك تعتبر الاستجابة خاطئة.


- استجابة في الوقت المناسب بتوقع صحيح، في هذه الحالة فقط تعتبر الاستجابة صحيحة.


 

مما تقدم نلاحظ أن في موقف واحد يمكن أن تكون أربع حالات من بينها يجب على الرياضي أخذ قرار لانتقاء واحدة فقط و الصواب أن تكون الاستجابة صحيحة و فعالة. لذلك يجب على المدرب أن ينوع في المتغيرات أثناء التدريب حتى يكتسب المتعلم أخذ القرار في وقته المناسب و لو كان بتوقع خاطئ، ثم بعد ذلك يحاول تطوير عملية التوقع للتلميحات الصحيحة لكي تكون الاستجابة مناسبة و فعالة. لكن لا يمكن معرفة أن الشخص قد اختار القرار الصحيح إلاّ من خلال الأداء الصحيح و بالتالي هناك مرحلة هامة تلي عملية أخذ القرار ألا و هي مرحلة تطبيق  القرار، هذه العملية تتأثر هي الأخرى بعدة عوامل سوف نتطرق إليها في الفقرة القادمة.

 

3- مرحلة برمجة الاستجابة (عملية تطبيق القرار): 
ترتبط الاستجابة بمتطلبات المهارة من بينها الظروف البيئية و الهدف المنشود، و تحتاج كل مهارة نوع من الدقة في أدائها. الدقة لها دور كبير في نجاع عملية تطبيق القرار، ذلك أنه إذا لم تتوفر الدقة في الأداء فهو يعتبر غير فعّال حتى و لو كانت الاستجابة صحيحة. الدقة لها علاقة مباشرة مع صعوبة المهمة (Difficulté de la tâche) يعني ذلك أن كلما كانت المهمة صعبة احتاج الأداء إلى دقة أكبر، و من المتغيرات المؤثرة على صعوبة المهمة نجد مدى الحركة أي كلما كان المدى كبير و موجه إلى هدف صغير كلما أصبح الأداء يحتاج إلى دقة أكبر، كذلك نجد متغير السرعة أو ما يسمى سرعة الحركة بمعنى أنه كلما كانت الحركة سريعة ازدادت الحاجة إلى دقة كبيرة.

 

هذه المتغيرات أكدت عليها الأعمال التي قام بها فيتس (Fitts) حيث أثبتت الدراسة المتمثلة في قياس عدد الحركات الممتدة بين نقطتين في حالات تغيير مدى الحركة و حجم الهدف كما هو مبيّن في الشكل الآتي:
   م: مدى الحركة
   ن: حجم الهدف                                       
عدد الحركات المنجزة يمثل عامل السرعة و منه يلاحظ أن العلاقة التي تربط عامل الدقة بمدى و سرعة الحركة هي التي تحدد صعوبة المهمة، و بالتالي يمكن تطبيق هذه المتغيرات في الوضعيات التعليمية لتحديد المهام الإجرائية باحترام مبدأ التدرج في الإنجاز من السهل إلى الصعب.  

[1]العادة هي استجابة متعلمة من نمط واحد تتعامل مع مثير معين، و هي تختلف عن مفهوم المهارة و لو أنهما متشابهان في بعض الجوانب (اقتصاد في الجهد، الوقت و الطاقة).

[2]  Keller, j.     In   Manuel de l’éducateur sportif        Editions  Vigot      Paris  1991,  pp: 318.


العودة إلى الصفحة السابقة - المكتبة الرياضية -  www.sport.ta4a.us